أحذروا هذا الناصح الحنون
أستغرب من بعض الناس الذين ينظرون لأي تصرف لا يروق لهم ، أو يغضبهم أنه سلوكٌ ينال من كرامتهم ، وكأنّ كرامتهم في الحضيض ، فما أن يرتكب أحدٌ خطأ بسيط في حقهم ، حتى تجدهم وقد إستشاطوا غضباً ، دفاعاً عن كرامتهم كما يدّعون !!
فكِّر جيداً في المشاكل التي ستتجنبها ، والتوتر الذي ستمنعه أن يتسلل إلى ذاتك ، إذا قرّرت أن تتجاهل إهانة بسيطة ، أو سباً بسيطاً أيضاّ ، أو أن تغض النظر عن إزدراء سواء كان غير مقصود ، أو حتى مقصود . إنّ ردود أفعالنا تجاه أحداث حياتنا هي شيء إختياري ، وعلينا أن نختار ، فأما أن ننجذب نحو التوتر والدخول في صراعات تافهة ، وأما أن نسمو بأنفسنا إلى آفاق الحكمة .
أنا لا أقصد بكلامي هذا أن تكون إنبطاحياً ، أو أن تجعل من نفسك بساطاً وتترك الجميع يسيرون فوقك ، حاشا لله أن أرتضي ذلك حتى لمن لا أتفق معهم ، فكيف أرتضيه لك يا عزيزي ، ولكنك قد تكتشف وأنت تواصل مسيرتك أنك تبتهج أكثر حين تترك ذهنك صافياً لتأمل الحياة في إطارها الأوسع لا أن تكون أسيراً للأشياء الصغيرة والهامشية .
إنّ تجاهل الإهانة وسيلة فعّالة جداً في الإبتعاد عن الإنغماس في السلبية سواء مع شخص ما ، أو حتى مع نفسك أنت . جميع الناس الذين هم في إنسجام مع أنفسهم لا يتركون مجالاً للبيئة الخارجية أن تتحكم فيهم ، أو أن تفقدهم نعمة السلام الداخلي التي ينعمون بها ، كما إنّ من أهم صفات " الأذكياء روحياً " هي القدرة على كظم الغيظ ، والتعامل مع الآخرين من خلال منظومة القيم الداخلية التي تحكم سلوكهم ، وتتدخل في توجيههم عند التعاطي مع كافة مكونات البيئة الخارجية وإفرازاتها النّكِدَة .
في أحيانٍ كثيرة سيتقدم نحوك عقلك الباطن عارضاً نفسه " الناصح الأمين " المدافع عن كرامتك ، الصائن لمكانتك ، والقائم على هيبتك ، وسيغريك بإسلوبه الرائع الودود ، وسيقدِّم لك حزمة من المقترحات التي تحول بينك وبين تجاوز الإهانة ، أو القفز على الشعور بأن شيء على غير ما يُرام قد حدث لك ، وسيكرر المحاولة معك واحدة تلو الأخرى لإقناعك برد الإساءة بأسوأ منها ، وأنا على يقين بأنك ستتردد في رفض مقترحاته البديعة ، وستخشى أن تخرج عليها ، أو أن تتجاهلها ، نظراً للحميمية التي يضخها ذلك الصوت القادم من داخلك .
كُن على حذر من ذلك " المخلص الحنون " الذي ينطلق من داخلك ، ولا تنخدع بمبادراته التي تعمل على إشعال الفتيل بينك وبين الآخرين تحت عنوان التصدي لمن أهانك ، وحطّ من قدرك ، وأذاب إعتبارك . أخبرهُ بأن كرامتك هي في عنان السماء ، وإن تجاوزك عن توافه الأمور هو من كرم طباعك ، وحُسن تربيتك ، وأن لا أحد في هذا الكون يستطيع المساس بصورتك التي ترتضيها عن نفسك . تقدّم له بالشكر الوافر الجزيل ، وأطلب منه أن يدعك وشأنك ، فأنت أدرى بمصلحتك ، وسيِّد عقلك وقرارك .