معزوفة شتم السلطان
أحيانًا تنتابني الرغبة في شتم جميع الحكّام على طريقة مظفر النوّاب في قصيدته الشهيرة، حين نعتهم بأولاد الـ(...)، ولم يستثنِ منهم أحدًا. ولكن، أتذكّر نصيحة جدتي الهاشمية، فأتراجع على الفور! هذا الأمر بطبيعة الحال، يسبب لي ألمًا شديدًا، فالأوجاع التي تنتابني حينئذٍ، لا تُطاق؛ لأني أمنع كلماتي من التحليق، بعد خروج الرأس واليدين منها.
سامح الله جدتي، لقد قيدتني بوصيتها. قالت لي: كن حذرًا وأنت تشتم، فلك أن تشتم من شئت، إلاّ السلطان. لا أدري لماذا وضعت لي هذا القيد؟ فالسبُّ سبٌّ، والشتمُ شتمٌ، الأمر سيَّان!
نسيتُ إخباركم أن جدتي هي التي قالت لي ذات يومٍ: اعلم يا بني أن الناس سواسية! ولأنني كنت طفلاً صغيرًا، فلم أستطع التفريق حينئذٍ بين مفردتي: سواسية والسوس، فخمّنت أنها ترمز للسلاطين بالسوس؛ لأنهم يعملون عمل السوسة، بنخرهم للبلدان التي يدخلونها، وبأكلهم لخيرات البلاد والعباد، ليحيلوها قاعًا صفصًا.
وجدتي -والله خير الشاهدين- هي التي قرأَتْ عليَّ الآية الكريمة: ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾[النمل:34].
أمورٌ كثيرةٌ ارتطمت في وعيي ولاوعيي، والمسؤولية في هذا التداخل، مفاهيم متضاربة تلقيتها من جدتي، أو ما خُيِّلَ لي أنها تصلني عبرها، فأنا لست مطمئنًا بصحة ما أنقله عنها.
في الحقيقة، أنا في حيرة من أمري، فهل أشتم السلطان؟ أم أكتفي فقط، بسماع الشتائم التي تنهال عليه؟
وماذا سيجري لي حين أُردِّد السُّباب؛ كمعزوفة، لا تتجاوز قفصي الصدري الذي أوشك على التداعي؟
هل سأتعرّض للمساءلة بتهمة عصيَّة على الإثبات، إلاّ في عُرْفِ السلطان؟
للمرة الألف، أرددها بالفم الملآن: سامحكِ الله يا جدتي! رحلتِ، ولم تقدِّمي لي خارطة طريق، في رفض الطغيان، أو شتم السلطان!
ولا أدري من سيغني هذه المعزوفة؟