أيها الطغاة ارحلوا !..هكذا هدر الطوفان
بسم الله قاصم الجبارين
والحمد لله مبير الظالمين ،والصلاة والسلام على سيد المرسلين ونصير المستضعفين محمد وعلى أهل بيته المظلومين الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين .
قال تعالى ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) 4-5 / القصص
لازال فراعنة العصر يسيرون على نهج أسلافهم في استضعاف شعوبهم واستباحة الحرمات واتخاذ عباد الله خولا ، كما لا زالت سنة الله قائمة تناصر المستضعفين الأباة الذين يعملون على تغيير واقعهم مقاومين كل صنوف القهر والاستبداد جاعلا الله تعالى إرادته إرادتهم ليمن عليهم بنصره وتصبح إراداتهم هي الوارثة والحاكمة .
وهاهي آيات الله عز وجل تتجلى ثانية في ارض مصر ، وإننا إذ نعيش هذه اللحظة التاريخية لا نملك إلا أن نشاطر أهلنا بمصر الثورة فرحتهم ونبارك لهم انتصار إرادتهم وثورتهم ، التي ألهبوا بها روح الثورة في نفوس الملايين من الشعوب المقهورة ، وأحيت فينا أمل التغيير وعززت إيماننا بشباب الأمة وإرادتهم الصلبة وسواعدهم الأبية حين خرجوا ثائرين ليقولوا لا لتسولات العرائض ولا لقوافل الوفود ، بل نعم لعزيمة الإباء ، ونعم لإرادة وحراك الجماهير والشعوب ، فتحية إجلال وإكبار لشباب مصر الذي سطر ملاحم البطولة في ميادين المواجهة ، ولا زال يرسم فصولها مفعما بروح الإباء وإرادة التحدي وعزيمة الإصرار .
لقد فضح فرعون مصر بسلوكه أقرانه من طغاة الاستبداد العربي ، الجاثمين على صدور شعوبهم ، وكشف للعالم كيف أنهم يتشبثون بالسلطة ولو كان فيه شقاء شعوبهم واستباحة دمائهم ، وكيف أنهم لا يأبهون بأمن البلاد واستقرارها ووحدتها مادامت عروشهم مهددة ، بل اتخذوا حكمهم وسلطانهم وسيلة لانتهاب ثروات الأمة .
ها قد تفجر الغضب العربي فتشكلت الشعوب بغضبها طوفانا ثائرا لن تقف أمام هيجانه لا جبابرة الاستبداد ، ولا أقزام العمالة في عالمنا العربي ، مهما تحصنوا بأدوات غطرستهم وإرهابهم وإرعابهم ، لأن انكسار جدار الخوف وتفجر بركان الغضب دفعا بالملايين من الشعوب المقهورة إلى الساحات والطرقات معلنة عهد المقاومة صارخة : إرحلوا أيها الطغاة ! تلك رسالة صدحت بها حناجر الملايين فصمت آذان فراعنة العصر فهم في فزع مرعبون .
لقد عاش شعب الثمانين مليون بمصر واقعا من القهر والإذلال ، وسحق الكرامة ، همشت فيه إرادته وسلبت حقوقه وانتهبت ثرواته وغيب رأيه وصوته من طغمة استباحت الوطن وثرواته ، بل صارت تتاجر بالوطن وثقله الإقليمي في سوق السياسة العالمية ، لتصبح مصر الحليف الأول لأمن إسرائيل واستقرارها ، وما السبعين مليار دولار في خزينة الرئيس المخلوع إلا بعض الريع المقبوض من تلك المتاجرات ، والباقي تقاسمته القطط السمان من أباطرة الحزب الحاكم ، وهكذا استمر هذا الواقع حتى هاج الطوفان الشعبي الملاييني في مصر الشموخ ليسقط أكبر نظام عربي استبدادي ، كاشفة بثورتها المليونية عن مدى اتساع كرة الثلج الجماهيرية الغاضبة ، والتي لا زالت تتدحرج لتأتي على ما تبقى من فلول نظام الاستبداد في عالمنا العربي ، كما ومؤذنة ببدء عهد جديد تسطر فيه الشعوب المقهورة تاريخها بقلم إرادتها ومداد دمائها ، مدونة في أول صفحاته مطالبها وتطلعاتها والتي من بينها :
1)إطلاق الحريات :
فالإنسان حر بالأصالة ، ولا تحد اختياراته وسلوكياته بعد حدود الله عز وجل أية قيودات وتأتي في طليعة تلك الحريات ، الحرية الدينية ، والسياسية ، والفكرية ، والإعلامية ، والاقتصادية ، وغيرها وفي تفرعاتها تبرز حرية التعبير وحرية الاعتقاد وممارسة الشعائر وحرية تداول المعلومات و ..الخ.
2)المشاركة السياسية :
وما تعنيه من تنظيم انتخابات وتكوين الأحزاب والنقابات وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني ،وحق المعارضة والتداول السلمي للسلطة , و ... الخ ، فالشعب هو الأصيل ، أما الحاكم فمجرد خادم للشعب ، الأمر الذي يعني أن السياسات الداخلية والخارجية للوطن يقررها ويرسمها الشعب دون غيره عبر الأطر التنظيمية المنتخبة من قبله ، فعهد الوصاية على الشعوب قد ولى وبلا رجعة ، وكل نظام يعاكس هذا الاتجاه إنما يعرض نفسه وعرشه للسقوط ، كما أن الشعوب الواعية ، لم تعد تقبل بالواقع المزيف للمشاركة السياسية .
3)تقاسم الثروة :
من أهم أسس العدالة الاجتماعية تقاسم الثروة حيث أن الوطن هو ملك أبنائه ، وبالتالي فكل ثرواته القومية هي ملك مشاع للشعوب، فالوطن ليس بستان السلطان يجتني منه ما يشاء متى يشاء كيف يشاء، بل كل مواطن له حق في هذه الثروة ، لا تمايز في ذلك لأحد على آخر ، أما لغة الإقطاع ،القائلة بأن الشعب و ما يملك ملك السلطان كما وسياسة الاستئثار بالثروات فتلكم سيرة قد أصبحت من الماضي قد ولى عهدها ، فالشعب هو صاحب الحق الأول في هذه الثروة ، والحاكم إنما هو أجير لدى الشعب وظيفته السهر على مصالحه .
4)العدالة الاجتماعية :
والتي تعني المساواة ومراعاة حقوق الإنسان وإتاحة الفرص وتقديم الخدمات للجميع من غير تمييز على أساس مذهبي أو مناطقي أو قبلي أو حتى ديني ، والتقاسم العادل للثروة .
كل تلك التطلعات والمطالب هو بعض ما نادت به ثورة مصر وما سوف ينادي به الأحرار في العالم ويناضلوا من اجلها حتى يستردوا كامل حقوقهم المسلوبة ، والتي أقرتها شرائع السماء قبل شرائع أهل الأرض .
بوركت مصر وأهلها والجنة لشهدائها ، في انتظار رحيل ليل الاستبداد وطلوع فجر الحرية للأمة قاطبة .. كما نبارك للأمة ذكرى تسنم إمامها صاحب العصر(عج) أمر رعايتها وإمامتها، سائلين الله أن يعجل لوليه الفرج والنصر ،وان يرينا طلعته الرشيدة ، و يجعلنا من أنصاره ، وان يهب لنا رأفته ورحمته ودعاءه وخيره .