الآخر كيف يرانا؟!
لأننا لا نعيش منعزلين في كوكب منفرد، ولأن طبيعة الحياة تقتضي التفاعل مع الآخر، فمن المهم جدا أن ندرك كيف يرانا الآخر. فالناس لا تتصرف من منطلق الواقع بل من خلال تصوراتها الذهنية، فقد تستنفر طاقاتها للتصدي لوهم أو شبح، وقد تركن للراحة والدعة والعدو في عقر دارها. فالصور الذهنية هي التي تحكم تصرفاتنا، وهذا ما يفسر مثلا قيام العالم السلفي البارز الشيخ زهير الشاويش والذي كان يحظى بمكانة خاصة عند الشيخ عبد العزيز بن باز بكتابة مقدمة ضافية لكتاب العالم الشيعي البارز محمد مهدي شمس الدين ( في الاجتماع المدني الإسلامي )، وهي مقدمة حافلة بالثناء الجميل على الشيخ شمس الدين، بينما في المقابل نرى شيخا سلفيا آخر هو الشيخ ناصر العمر يستكثر على الشيعة أمرا لا يستكثر على أحد حين يقول في كتابه ( واقع الرافضة في بلاد التوحيد ): وأن أحسن تمر العجوة ينبت في منطقة العوالي التي يقطنها الرافضة.
هذان التصرفان النقيضان محكومان بتصورين ذهنيين مختلفين دون أدنى شك، كما أن هذين التصورين ناتجان لمكونات مختلفة، فمكونات الصورة الذهنية لدى الشيخ الشاويش ناتجة عن معايشة وجوار بالإضافة إلى قراءة واسعة ورؤية تعددية تستوعب الآخر المختلف عنوانها ( التسليم لكل منا بما صح من مذهبه ) حسب تعبير الشيخ نفسه، بينما مكونات الصورة الذهنية لدى الشيخ العمر ناتجة في الغالب عن قراءة نمطية وإطار مرجعي ذا لون واحد لا يرى في الشيعة إلا روافض مبتدعة لا يمتون للتوحيد بصلة.
والسؤال الآن: هل قمنا بما يكفي من جهود لتصحيح صورتنا النمطية الخاطئة لدى شريحة كبيرة من الناس ممن يعيشون معنا ويؤثرون في أمورنا الحياتية بشكل أو بآخر؟ هل أكملنا الجهود العظيمة التي قام بها أمثال جمال الدين الأفغاني والسيد عبد الحسين شرف الدين والسيد محسن الأمين والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والسيد البروجردي والشيخ محمد تقي القمي وغيرهم، بل هل وصلنا إلى مستوى الشهيد الثاني ( 911-966 هـ ) الذي تواصل مع علماء السنة فدرس على ستة عشر منهم في دمشق ومصر، وكان يفتي في بعلبك على المذاهب الخمسة؟ أم أننا تراجعنا ولم نكمل المسيرة؟
ربما يجادل البعض بأننا في عصر الفضاءات المفتوحة، وبالتالي فإننا لا نحتاج إلى تعريف الآخرين بأنفسنا حيث لم يعد خافيا على أحد واقعنا المقروء والمسموع والمشاهد في كل مكان. وهذا الكلام على صحته في الجملة إلا أنه ينطوي على افتراضين خاطئين أولهما أن الآخرين يقومون بالفعل بمشاهدة قنواتنا وقراءة كتبنا واستماع إذاعاتنا وزيارة مواقعنا رغبة في التعرف علينا من خلالنا لا من خلال الآخرين، كما يفترض ثانيا أيضا عدم وجود حملات مضادة مسعورة تتصيد كل هفوة وتضخم كل زلة، ولا تعترف لنا بحسنة مهما فعلنا.
ففي حرب غزة مثلا كانوا يتساءلون عن دور حزب الله وأنه لم يفعل شيئا للفلسطينيين سوى التصريحات المزيفة، وعندما تبين فيما بعد دوره في تهريب السلاح للفلسطينيين شنوا عليه هجوما لاذعا بحجة اختراقه لأهل السنة والجماعة وانتهاكه للأمن القومي المصري وتنفيذه للأجندة الإيرانية. أعتقد أنه كان على حزب الله أن ينزل السلاح على الفلسطينيين مائدة من السماء!!
إذن نحن أمام مشهد لا نحسد عليه، وليس أمامنا من خيار سوى أن نتواصل مع الآخرين بشتى الطرق والوسائل المتاحة كي يتعرف علينا الآخرون مباشرة وليس بالواسطة.
أعلم أن هناك من لا يقتنع بأي دليل أو حجة، ولا يريد أن يصل إلى فهم أو تفاهم، ولكن يجب أن لا نعين هؤلاء من خلال تقصيرنا على الوصول إلى أهدافهم، فهناك الكثير من الناس يجهلوننا، والناس أعداء ما جهلوا.
أما ما هي الطرق والوسائل المتاحة للوصول لهؤلاء فهذا ما سيأتي في مقال مستقل إن شاء الله.
إضاءة:
" لدي حلم بأن يعيش أطفالي الأربعة الصغار يوما في دولة لا يحكم فيها عليهم بسبب لون بشرتهم بل بمضمون شخصيتهم"
مارتن لوثر كينج زعيم الحقوق المدنية في أمريكا، خطاب " لدي حلم" ، 28 أغسسطس 1963 م