الشعوب ومواطن الحكمة !!
في كل زمان يعيش فرعون ما، ويتحكم في ربقة الخلق جبروت أهوج، يتلاعب بمقدرات الأمة ويشيع في أراضيها الفساد بكل أشكاله وألوانه، حياة الفراعنة مستنسخة ومتكاثرة لا جنسياً في الكثير من الأقاليم. قد تتفاوت الرتب وتتعاظم النياشين العنجهية من قزم لآخر، إلا أن الرباط المشترك يجمعهم في كرفتة الشيطان الأخطبوطي، إلا أن الطالع الذي يتألق في هذا النهار هو : ( يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم ).. رغم برك الدماء التي سفكت، والمجازر التي انتهكت وهزت لها الأرواح والأبدان، إلا أن فراعنة الأرض بدؤوا ينتبهون لهذا الزحف القادم المحدق بهم، خصوصاً تلك التي تسمر عيونها نحو الإطاحة بالعرش المترجرج، تهتف مغردة بنغمة تترنم عليها الكثير من الشعوب المقهورة : " الشعب يريد إسقاط النظام "، فكل مظاهرة سلمية الهوى وردية الطموح تقابل بالرشاش والمدفع فإنها ستتحول إلي فجر خصيب ونصر قريب .
ومن يتلمس حدود الجوار يدرك ملياً أن الحكومة البحرينية – مثلاً - بدأت باستخدام الفرامل تجاه الشعب المتظاهر بوسائل متنوعة تدلل على حالة الضعف والخور التي تنخر في عرشها المتهالك وحيرتها المختنقة، وكذا على الصعيد اليمني وطاحونة الدمار هنا بدأت بعض الانطباعات تنجر لصالح الشعب بكل تألق وهذا ما جعل الرئيس اليمني يقف حائراً في مشكلته الواقفة في البلعوم، أما على رقعة البلد الليبي فإن المؤشرات خلاف ذلك، فشلالات الدماء لا تزال تنزف، والزعيم الليبي يمارس دور إحراق البشر قبل إحراق الأرض، وهذا هو الجنون السافر الذي بدأت الدول الصماء باستنكاره، إلا أن المؤسف في بعض الدول التي لا يزال يصيبها الخرس أمام ذلك، ففي السابق كنا نشاهد كثير من الدول يدينون ويشجبون الكثير من المواقف البسيطة ولكن هذه المجزرة يقفون حيالها ببلاهة المتحير الذي لا يجرؤعلى الكلام !
الطبق السياسي مقدم على المواقف الإنسانية في كثير من خرائط العالم، فالرياح المصلحية والحسابات الشخصية تتصدر القائمة، ومع كل ذلك بدأ الأمل يشرق وهذا ما يدفع المسيرات السلمية بالولادة من جديد وبالاستمرار مجدداً لمواصلة الطريق .. الفرج أضحى وشيكاً.. واليوم أصبح للشعب لسان وقوة دون حمل السلاح، إنها الحرية المنتزعة التي فقدتها الشعوب طيلة قرون متطاولة.. الحرية اليوم أصبحت للشعب بعد أن شح النصير وتعملق في جسد الأمة الخوف والركود.. هنا المارد النائم قد أفاق.. هنا الصاعق المكهرب قد بدأ مفعولة، وبدأت المعادلة بالشقلبة والتغير، هنا أعيدت الكرامة لأهلها وإن صرفت بأطنان الدماء الزاكية، إلا أنه " ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر "، هكذا أضحى الدور السياسي مختلفاً، ففي منطقة الشرق الأوسط باتت الجماهير مستعرة، والأرواح منشده للتغيير والسمو بالمربعات نحو الأفضل، وهذا ما يدفع شباب الأمة بالمطالبة واغتنام الفرص، أمسى الحاكم مرعوباً متحسباً لكل قلقلة، ومتوجساً لكل " نحنحة " قد تنفجر هنا أو هناك، والعبقري هو من يضع قدمه في مواطن الحكمة لينال بذلك السعادة والوطر.
