العار لنقابة الشطّار
يختلف المقصود من كلمة " الشاطر " تبعاً لإختلاف السياق ، والحقل الذي تُستخدم فيه ، فالطالب الشاطر ، يختلف عن الإبن الشاطر ، والموظف الشاطر ، يختلف عن اللاعب الشاطر ، والتاجر الشاطر ،يختلف عن المشتري الشاطر ، والسائق الشاطر ، يختلف حتماً عن الراكب الشاطر ، والحلاق الشاطر ، يختلف أيضاً عن الزبون الشاطر ، وغيرها من المقاصد التي ترمي لها " الشطارة " هنا أو هناك .
بيد أن الشطارة في نظر البعض تأخذ معنى آخر عندما ترتبط بإستغلال المنصب الوظيفي ، والإستفادة من شبكة العلاقات التي تأسست عبر السنين ، من خلال ممارسة : الرشوة ، الإختلاس ، التزوير، الإبتزاز ، المحسوبية والواسطة ، واستغلال المنصب الوظيفي بإمتياز ، وربما يكون أصحاب هذا الإتجاه على حق ، لأن معظم الدراسات والبحوث التي تم القيام بها في الدول العربية ، أظهرت تفشي ظاهرة الفساد الإداري بشكل أو بآخر ، والشبكة العنكبوتية مليئة بتلك الدراسات والبحوث ونتائجها المُحزنة .
ولم يذهب بعيداً ، كما أنه لم يخرج عن المألوف ، عندما صدح صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن مساعد بقصيدته الرائعة " إحترامي للحرامي " والتي وضعت الإصبع على الجرح الدامي ، ووصفت الوضع القائم على الأرض بإسلوبٍ فني ساخرٍ رفيعْ ، يختصر كل البحوث ، ويؤطر لكل الدراسات ، بل إنه كان أكثر جرأة منها في توضيح المسار التصاعدي الذي يرتقي نحوه " الحرامي الشريف " بإحتلاله موقع الصدراة والمكانة المرموقة في " الصّف الأمامي " في المناسبات المختلفة .
وفي زمن أصبحت فيه " الطهارة تهمة " والإستقامة زلّة ، وكثُر فيه سواد المنتفعين على حساب المخلصين ، وباتت الشطارة فيه تعكس القدرة على السباحة في المياه الراكدة ، واستنشاق عبير المستنقعات ، والقفز على الأنظمة واللوائح والتعليمات ، وإذا لم يكن فتطويعها بما يصبُّ في مصالحهم على أقل تقدير، والقبض من تحت الطاولة ، ومن فوق الطاولة ، والمناقصات من الباطن . الشاطر اليوم هو من يستطيع أن يُدخل أكبر عدد من الحمام إلى قفصه الذهبي ، الشاطر اليوم هو من يتاجر بالشعارات في المجالس العامة ، بينما حالة الإسترخاء التي يتمتع بها تنبئ عكس ذلك ، الشاطر أيها الأحبة في عُرف " نقابة الشطّار " هو من يُصاب رصيده البنكي بالتخمة ليشعر بالسعادة والإستقرار ، على حساب الدورة الإقتصادية !!
هناك فكرة عند اليهود يُطلق عليها في السفر القديم " فكرة الخلاص " وتعني تخليص الأرض من عذابها بعد أن وقعت في يد غير اليهود، ولا يمكن أن يتم الخلاص إلا بالغوص في الرذيلة، ولا يمكن الصعود إلا من خلال الهبوط . وقد استفاد المشحاء الدجالون من هذا المفهوم في انغماسهم في الملذات، بل في ارتدادهم عن اليهودية ، إذ فُسِّرت رذائلهم بأنها الطريق إلى الفضيلة. وفي قراءة لي سابقة لهذه الفكرة ، فإن الثراء الفاحش ، والقدرة على جمع المزيد من المال ، السائل منه والمنقول ، يُعدُّ مؤشراً قوياً على الإقتراب من فكرة الخلاص ، ونيل رضا الخالق سبحانه وتعالى .
هذه مُجرد مُقاربة " سسيولوجية " وليست عقائدية بالتأكيد حول فكرة الخلاص ، والإنغماس في المصلحة الشخصية على حساب منظومة القيم الأخلاقية ، ومن المحزن حقاً ان تنتشر ثقافة الخلاص تلك بمذاقها العربي فتأسر ضعاف النفوس ، ويسيل إليها لُعاب الحيّات الرقطاء ، دون خشية من خالق ، أو وازع من ضمير ، المشكلة الكُبرى أيها الأحبة أن " الحرامي " بات من المُحتفى بهم ، لأنه يفهم أصول اللعبة ، ويُدير بحرفية بالغة عقارب الساعة بوتيرة تحفظ له موقعه الزائف ، ولكن هل سيضمن ذلك إلى الأبد ؟ اللهُ أعلم متى تدق ساعته . تحياتي .