التقارب السني الشيعي المستحيل والممكن
في الوقت الذي نشهد فيه مؤتمرا للحوار بين الأديان، وفي الوقت الذي نتحدث فيه عن سماحة الإسلام وقدرته على استيعاب الآخر، ونستشهد على ذلك بالدستور الإسلامي الأول في المدينة المنورة الذي وضعه رسول الله والذي دون فيه أن اليهود "أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم" " وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم"، نشهد في ذات الوقت أصواتا ترتفع هنا وهناك تتحدث عن استحالة التقارب السني الشيعي.
ولا أدري سر الاستحالة وقد شهدناه على أرض الواقع متمثلا في الشيخ محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385-460 هـ) ينقل في أسانيده عن عالمين سنيين أخذ عنهما الرواية، وهما: أبو علي بن شاذان وأبو منصور السكري، وفي ابن ادريس الحلي (543-598 هـ) كما يذكر هو في كتابه السرائر عن علاقته مع أحد فقهاء الشافعية، يقول: وكان بيني وبينه مؤانسة ومكاتبة، وفي قيام عدد من علماء السنة مثل شمس الدين البيهقي وعلاء الدين القوشجي بشرح كتاب " تجريد الاعتقاد" لنصير الدين الطوسي، وفي اللقاءات والحوارات العلمية بين السيد عبد الحسين شرف الدين وبين الشيخ سليم البشري رئيس الأزهر حينئذ، وفي مشروع دار التقريب التي كان أعمدتها محمد حسين كاشف الغطاء والسيد البروجردي من الجانب الشيعي، والشيخ عبد المجيد سليم، شيخ الأزهر، والشيخ محمود شلتوت من الجانب السني
كل هذه الأمثلة وغيرها تدل على إمكان التقارب شرط الانفتاح على الآخر وعدم محاكمة النيات، فالعالم من كلا الطرفين إذا اختلفنا معه متأول والجاهل معذور.
إن الوصول لما وصلت إليه أوروبا الحديثة من تطور بل وتجاوزه ممكن ومتيسر لنا إذا أخذنا بالأسباب الطبيعية، والتي منها تغيير نظرتنا للدين، وتحويله من أداة تفرقة إلى أداة جمع من خلال النظرة الشاملة للقيم الدينية الحقة التي تعلي شأن الإنسان والحرية والكرامة والعدالة والحقوق وغيرها، وفي هذا الإطار لا بد من عمل حقيقي دؤوب يشفع الأقوال بالأفعال.
(إن كل من يتبع أحد المذاهب الأربعة من أهل السنة والجماعة (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي) والمذهبين الشيعيين (الجعفري والزيدي) والمذهب الأباضي والمذهب الظاهري فهو مسلم ولا يجوز تكفيره ويحرم دمه وعرضه وماله ولا يجوز أيضاً تكفير أصحاب العقيدة الأشعرية ومن يمارس التصوف الحقيقي وكذلك لا يجوز تكفير أصحاب الفكر السلفي الصحيح كما لا يجوز تكفير أي فئة أخرى من المسلمين تؤمن بالله سبحانه وتعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وأركان الإيمان وتحترم أركان الإسلام ولا تنكر معلوماً من الدين بالضرورة. ) "1"
وقد تم تبني هذا النص في مؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائية في مكة المكرمة في ديسمبر من نفس العام.
اليوم ونحن في مايو 2009م، لو استطاع هذا القرار التسلل إلى مناهجنا التعليمية وإلى منابرنا الإعلامية وإلى دساتيرنا وأنظمتنا العتيدة لكان الحال غير الحال.