طوفان الأحداث الساخنة
كم حولك من الناس الذين يلهثون ليلاً ونهاراَ لمعرفة تفاصيل الأحداث والوقائع ، وكأنهم من مراسلي إحدى الصحف ، أو القنوات الفضائية ، يسألون عن " البنت ، وبنت البنت " كما يقول المثل الدّارج ، يملكون مهارة فائقة للتغلغل إلى قلب الأحداث ومعرفتها من الداخل ، وبأدق التفاصيل ، وكأنّ لا شيء يشغلهم إلاّ حدث هذه اللحظة أو تلك!!
أحد معارفي ظلّ لسنوات يحاول الحد من تعرضه للأحداث والأخبار اليومية ، كثيراً ما يسأله الناس عن رأيه في الأحداث الجارية هنا أو هناك ، والمفاجأة لي ولكم أنه يخبرهم : بأنه يحاول ألاّ يفكر في الأحداث الجارية . وإنني أعلم جيداً أن هذا الأمر قد إستغرق منه سنوات طويلة من الجهد والمحاولات المتكررة حتى وصل إلى هذه المرحلة التي يستطيع فيها أن يُخبر من حوله " أن الأحداث الجارية ليست موضع إهتمامه " كما أنه لم يكتفي بذلك ، بل تعلّم ايضاً أن لا يجعل الآخرين يشعرونه بالأسف لأنهم إختاروا أن يقضوا وقتهم في متابعة الأحداث الساخنة على حدِّ رأيهم .
بالتأكيد أنك إذا كنت تهوى متابعة ما يجري من أحداث ، فلن ستكون كصاحبي هذا ، لأنه من البديهي سيكون لديك رغبة شديدة في الإطلاع عليها ، ومتابعة أدق تفاصيلها ، ولكن إذا كنت تتابع الأحداث لتظهر فقط على أنك متابع لها ليس إلاّ ، ولتكون على دراية بها عندما يسألك أحدٌ عن مُجرياتها ، فإنك أيضاً بحاجة لأن تضع قائمة بأولوياتك ، وتسأل نفسك هل أنت فعلاّ تريد أن تستغل وقتك وطاقتك في إغراق نفسك بالأخبار السيئة حتى تبدو على دراية بها أمام شخص قد لا يهتم حتى بهذا الأمر .
قد لا يعلم بعض الناس إنّ الأحداث التي تقع هنا أو هناك ، ويدفعنا الفضول المعرفي إلى متابعتها ، وتَقصِّي آثارها ، والإستفاضة في مناقشتها ، والمداومة على معرفة تطوراتها ، لا بُدَّ لها أن تترك آثاراً سلبية على صفحات ذاكرتنا ، وإضعاف النسيج العاطفي لنفسيتنا ، وهذا بدوره ينعكس دون أن نعي ذلك على سلوكنا الخارجي ، ودرجة تعاطينا مع الناس من حولنا ، ويتسبب في زعزعة إنسجامنا مع أنفسنا ، وتقليل قدرتنا على الصمود والمقاومة للأحداث التي تتصل مباشرة بحياتنا الشخصية ، أو بحياة من يهمنا أمرهم من حولنا .
جميلٌ جداً أن يهتم الإنسان بإمور المسلمين بل والناس جميعاً بصفته عضو في المجتمع الإنساني ككل ، ولكن أن يغرق المرء في كل واردة وشاردة فهذا ليس مطلوباً منه على الإطلاق ، بل بالعكس تماماً ، لإن الإنشغال بتفاصيل الأمور يجعله يخرج منه بجعبة خاوية ، حيث لا يمكنه الإلمام بجميع المعلومات هكذا دفعة واحدة ، كما لن يتمكن من السير بأمان وسلام ورأسه مُثقل بالآلام ، ونفسيته تئن تحت وطأة الأحداث التي لا جَمَلَ لهُ فيها ولا ناقة . فهل أنت على إستعداد لتحقيق الإنجاز الذي حققه صاحبي بصبر وإصرار ؟ أتمنى لك التوفيق في مهمتك الصعبة بالتأكيد ولكنها ليست بمستحيلة كما أعتقد . تحياتي .