فهم النص القرآني ( 3 -3 )
المقدمات الضرورية لدراسة المعارف الإسلامية
نتيجة لأمور كثيرة ومتداخلة أدت إلى ضعف كبير في مقدرتنا على تشخيص الفهم الحقيقي للنص القرآني وسنذكر هنا بعض تلك الأمور والتي ترجع في نهايتها إلى التخلف العام الذي أصاب الأمة بعد انتكاسة حضارتها من أسباب داخلية وخارجية جعلنا في نهاية الركب من الناحية الفكرية والمعرفية ، أما الأمور العلمية التي نحن في صدد بيانها فيما يخص موضوعنا الرئيس فمنها :-1. ابتعادنا عن اللغة العربية الفصحى التي نزل بها القران فلا نعرف كلمات مثل ( الصمد والمسد و الغسق والفلق وأبابيل وسجيل.. ) بالرغم من إنها كانت واضحة في عصر نزول النص، وكذلك لا نعرف معنى استخدام القسم في هذه الآية والشرط في تلك الآية والتشبيه والمجاز في آية ثالثة وما إلى ذلك, وأود أن أبين هنا بأن هذه النقطة لوحدها تشكل محور أدى إلى نتائج سلبية كثيرة, فإذا لم يعد القارئ يفهم كلمات النص فكيف يفهم ما ورآه هذا أولاً, وثانياً أصبح الطالب الذي يرغب في الإتقان اللغوي والأدبي لفهم النص القرآني يحتاج إلى مقدمات طويلة كي تكون لديه حصيلة لغوية ونحوية وصرفية فضلا عن البلاغة العربية بعلومها الثلاثة ليدرك جمال القران وليدرك المجاز والتشبيه والاستعارة والمراد من تعبير الجملة وشكل الترابط بين المفردات, وكل المحاولات التي تجري بربط الشباب بالقران مع إغفال هذا الجانب أو محاولة تجاوزه بدعوى عدم إضاعة الوقت في هذه المقدمات الطويلة سيكون لذلك خلل ليس باليسير .
2. عدم المعرفة والإلمام بتاريخ صدر الإسلام وما صاحبه من أحداث متزامنة مع نزول آيات الكتاب وما أحاط ذلك من ظروف،فإذا فهمنا الظروف والأحداث التي عاصرت نزول الآيات كان لذلك أكبر الأثر لفهم المراد ومثال على ذلك (قضية النسيء ومسجد ضرار والغزوات بشكل عام) وما في ذلك من اختلاف في العصر المكي عن العصر المدني للدعوة هذا أيضاً من المقدمات التي يجب عدم إغفالها ودراسة التاريخ وتحليل الأحداث يحتاج لمراحل دراسية ومطالعة طويلة .
3. عدم الإلمام بالأحكام الإسلامية والتشريع الإسلامي أدى ذلك لقراءة آيات الأحكام مثل الإرث وكأنها ألغاز نزلت لغيرنا ونحن نقرأها للبركة فيحتاج ذلك إلى دورة فقهية لا أقل في باب العبادات
4. عدم الإلمام بأصول الدين وأدلته النقلية والعقلية ومناقشة إشكالات المتكلمين والحكماء يؤدي ذلك إلى تزلزل حجة الكثير من شبابنا وأقصد المثقفين منهم أمام أوهن الإشكالات، ومعرفة علوم الكلام والحكمة وهضمها تأخذ من وقت الباحث الكثير فضلاً عن ما يستلزم ذلك من دراسة الاستدلال والقياس من العلوم المنطقية .
5. عدم الإلمام بعلوم الحديث دراية ورواية ومتابعة كتب الرجال وهذا أمر لا تخفى أهميته على كل باحث لأنه في نهاية كل مطلب يحتاج عند الاستدلال عليه بتوثيق الدليل من المصادر الخاصة والعامة ومعرفة الجرح والتعديل قد أنهى فيه البعض زهرة عمره.
ونحن هنا لا نزعم بأن كل أحد لا يستيطع فهم القرآن ، إلا إذا أنهى كل هذه المعارف والمقدمات التفصيلية والتي تبدو عند البعض أقرب إلى الاستحالة ، لا وإنما نقصد الفهم العميق والكامل والذي يستطيع ربط حديث العترة الطاهرة بآيات الكتاب وربط آيات الكتاب بعضها ببعض لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً والقرآن نور والنور كاشف لغيره وكاشف لنفسه ، وكما ذكرنا بأن القرآن والعترة نور واحد ( نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ) وإنما أحببنا ذكر هذه المعارف والمقدمات لا لكي نبعد الناس عن الاستقاء من معين القرآن فالكل مدعوا للتدبر في القرآن بقدره ، وإنما أحببنا أن نبين أن دعوى فهم القرآن الفهم الصحيح متاح لأي أحد بدون معرفة وبدون الرجوع للراسخين في العلم دعوى ليست في محلها أيضاً .
ونلخص المقدمات كما ذكرها العلماء تحت باب شروط المفسر :
1- اللغة العربية والبلاغة. 2- أصول التفسير وعلوم القرآن الكريم.
3- الحديث وعلومه. 4- العقائد الإسلامية وعلم الكلام.
5-الأخلاق والآداب الإسلامية . 6- تاريخ صدر الإسلام (النبي والعترة) .
7- الحكمة الإسلامية وقواعد المنطق والاستدلال . 8- الفقه وأصوله.
ونضيف على هذه العلوم النظرية الجانب الآخر وهو الجانب العملي ويعني :
1- كثرة التدبر والتأمل في آيات الكتاب ومقارنة الآراء بين فترة وأخرى .
2- حضور دروس المفسرين والمباحثة المستمرة والمطالعة الكثيرة لكتب التفسير خصوصاً التفاسير المشتملة على روايات أهل البيت ع لمعرفة الطريقة التي يوجهوننا إليها لتفسير القرآن.
بقي أن نشير في نهاية المطاف إلى الفرق بين الدراسات الموجزة لهذه العلوم وهي يمكن أن تشكل رؤية بنسبة ما بالمقارنة للآخر الذي ليست له أية حصيلة ببعض هذه المقدمات، ولكن الرؤية المتكاملة التي نحن بصدد بيانها هي تلك الرؤية التي أحاطت بهذه العلوم إحاطة واسعة تفصيلية مستهدية بتعاليم النبي وآله أنتجت في النهاية معرفة كلية تستطيع من خلالها السير بهدي القرآن وتفسير بعضه ببعض.