نقيق الضفادع !!
لست أدري ما الذي يدفع البعض للإهتمام بكل شاردة وواردة ، وتنتفض في عروقهم المروءة ، والرجولة ، والفحولة ، والبطولة . دفعة واحدة ويتطايرون هنا وهناك ( كالفراش المبثوث ) تتصدع جوانبهم ، وتنهار قواهم من فرط هولهم ، وضخامة صدمتهم . يكادون لا يصدقون ما يسمعون وكأنهم ولدوا للتو على سطح هذا الكوكب الغريب المتلاطم بالمتغيرات في كل طرفة عين . ويتناسون الطبيعة البشرية ، والتجاذبات الإجتماعية ، والإصطفافات الجهنمية ، بالرغم من أن الدين الإسلامي الحنيف ينبذها جميعاً ، ويذم كل من يحرض عليها لأنه دين التسامح والتناصح ، والتلاقح . بعيداً عن العصبية الجاهلية ، وردة الفعل العمياء التي لا تأتي بخير .
فما إن يصدر صوت من حنجرة بلهاء في زاوية ظلماء ، وصومعة جوفاء لا تعبر إلاَّ عن نفسها أو مخالفة بذلك التصرف التعليمات التي تسيِّرها ، وتنظم عملها ، حتى يقوم البعض بالإنتفاض - الذي يدعو إلى الشفقة - من أجل تضخيم ذلك الصوت المنفلت ، وتحويله إلى قضية رأي عام في مجتمع تحكم العاطفة معظم تحركاته وإنفعالاته مما يفضي بالضرورة إلى غياب ( نظرية الإدراك) وتحوُّل كل فرد في المجتمع إلى قاضٍ يصدر الأحكام المطلقة دون أن يضع في حسبانه مستوى وقوة ورعونة وجاهلية ( الكرات المرتدة ) من هذه الزاوية أو تلك مما يؤدي إلى الإضرار بالقضية الأم وتفاقمها بدلاً من حلها .
أن معالجة الأمور والأحداث بهذه الكيفية الإنفعالية من البعض ( حتى وإن لم تخرج عن إطارها التعبيري السلمي - ولله الحمد -) إلاَّ أنها حسب ظني لا تجلب المنفعة المستدامة ، ولا توفر الحماية الرصينة لقوالب الفكر والعمل التي تمثل الحارس الأمين للجماعة ، وتُسهم في تماسكهم وتوحِّد صفوفهم أمام المخاطر التي تهدد ثقافتهم وتجرح إعتبارهم ، وتحاول قطع صلتهم بالحبل السري الذي يربطهم بمنبتهم . وتعمل على أن يظلوا خارج دائرة التأثير العام .
من منا لا يرغب أن يعيش في سلام ووئام !! من منا تنفرج أساريره فرحاً لحالات التشرذم والتفرق والتناحر والتفاخر بالنصرة على من يتقاسم معه الماء والهواء والكثير الكثير من المصالح المشتركة بل والمصير المشترك !! أكاد أجزم أن لا أحد يتمنى أن تسود فوضى الكلام ، ومبارزة المهاترات ، ويأنس لنقيق الضفادع في جنح الظلام أو حتى في وضح النهار لا فرق بينهما . الكل مسؤول أن يحافظ على نقاء سمعه من التلوث المقيت ، وعمق بصيرته من العفن الرديء ، وأن لا يسمح للوسواس الخناس بأن يدمر طيب سريرته ، أو أن يفسد طُهر طبيعته ، فالإنسان كائن إجتماعي بطبعه . صحيح أنه المخلوق الوحيد الذي يملك قوة معمرة ، وأُخرى مدمرة ، إنما الأصل في الإنسان هو الخير والصلاح بالرغم من الغرائز المتعددة التي أوجدها الباري عز وجل في الذات البشرية ليكون في موضع الفتنة والإمتحان والإبتلاء . ومع هذا فقد عزز الله تعالى إبن آدم بمضادات جوية وأرضية ، وأسلحة نووية ذاتية فتاكة ورادعة للتعامل مع تلك الغرائز وقهرها وترويضها لتنسجم مع الناموس الإلهي العظيم بما يحقق الخير للبشرية جمعاء .
لا شيئ أسهل على المرء من الإنفعال والغضب ، بل ولا شيئ أسهل عليه من إيجاد المبررات الجاهزة ، الكافية والداعمة لمفاتيح الغضب و موجات الإنفعال . إنما الأجمل وما يستحق الثناء والمثوبة من الكريم الرحيم هو أن يستثمر الإنسان نعمة العقل التي وهبها الله له منفرداً وكرمه بها عن سائر المخلوقات ، وأن لا يستجيب لكل ناعق وزاعق وساحق . فصمت الحكمة خير من التلفظ بالسوء أو تعرية عيوب الآخرين أو الإنجرار وراء المهاترات البائسة .
قد تضن عزيزي القارئ بأنني أحاول عبر مقالي هذا إحالتك إلى قطعة من الخشب ( حاشا لله ) فلك الكرامة كل الكرامة ، وإنني أحترم كافة إختياراتك . لأنك المسؤول عنها ، ومن سيتحمل نتائجها ، وأحتفظ لك أيضاً بحقك في الإعتراض والرد والمناقشة . إنما ما أود تأكيده لك هنا بأنك تمتلك في داخلك قائداً فذاً نصوحاً صابراً رشيداً . فما عليك سوى كبح جماح غرائزك وتمكينه من ممارسة مهامه في السِّلم ووقت المِحَنْ وأنت ( الرابح الأكبر ) لأنك قد إمتلكت الحكمة ، وبها قد أُعطيت خيراً كثيرا ، تحياتي لكم وطيب الله اوقاتكم .