لماذا يجب أن ننتخب؟
تنطلق دعوات كثيرة لمقاطعة انتخابات المجلس البلدي القادمة، وهناك عزوف حتى عن التسجيل في قوائم الناخبين من قبل البعض، وكل هذا بحجة أن المجلس البلدي المنتهية فترته لم يحقق أي شيء يذكر، وهناك حجة أخرى تقول أن عدم السماح للمرأة بالانتخاب والترشح هو سبب كاف لمقاطعة الانتخابات البلدية.
أن انتخاب نصف أعضاء المجلس البلدي لا يرقى لطموح الناخبين هو أمر صحيح، والقول أن عدم إعطاء المرأة الفرصة المكافئة للرجل بالترشح أو الترشيح هو أمر يدعو للإحباط صحيح أيضاً، وعدم تحقيق المجلس المنتهية فترته للكثير من الوعود أوضح من الشمس، ولكن هل الحل أن نقاطع الانتخابات القادمة؟
إن مقاطعة الانتخابات في نظري كرفض رشفة ماء في جهير صحراء قاحلة لتائه أعياه العطش. لن يكون إصلاح المجلس البلدي وانتخاباته بمقاطعتها أبدا، فكلما ابتعد الناخب عن المجلس، زادت صعوبة إصلاحه ومحاسبة أعضائه. فلو ادعى البعض أن المشكلة تكمن في النظام الأساسي للمجلس، فإننا نسأله: هل إصلاح هذا النظام سيأتي بالمقاطعة؟ ولو ادعى البعض الآخر أن تغييب المرأة عن الترشيح والترشح هو تغييب لأكثر من نصف المجتمع، فإننا نسأله:
وهل ستعطى المرأة هذا الحق بالمقاطعة؟ ولو ادعى البعض الآخر أنه ليس هناك أي جدوى مأمولة من هذا المجلس، وعلى هذا يجب مقاطعته!! فنقول أن تعيين مسئولين قطيفيين للدوائر الحكومة بالقطيف غير مجدي، لأنهم لن يكونوا قادرين على تغيير أي شيء!!!.
إن رفض الممكن لتحقيق غير الممكن مجانبة كبيرة للعقل والصواب، والقول أن مقاطعة الانتخابات ستصلح الانتخابات هو قول رومانسي جدا ومتناهي في ورديته. إن لنا في دائرة الأوقاف والمواريث مثالا واضحا، فعندما عزف الأكفاء عن قبول هذا المنصب، تقلده غيرهم، وتقلص دورها لتكون دائرة بدلا من محكمة. الأمر الأهم في أمر الانتخابات البلدية هو أن الأكثرية العددية في كل منطقة يجب أن تمثل في هذه المجالس تمثيلا كفؤاً، حتى في وضعها الحالي، وإلا سيكون التمثيل لا يمت بصلة لأكثرية الأصوات في كل مدينة.
إن التلكؤ بحجة أن المجلس الحالي لم يكن أدائه بالمستوى المطلوب هو حجة علينا لا لنا، فإما أن يعني هذا أن أرحام أمهاتنا قد عقمت عن إنجاب الكفء، أو أن أعضاء المجلس الحاليين هم أفضل ممثلين لنا، وليس هناك من هو أفضل منهم. إن تجربة المجلس لا تزال تجربة وليدة، ولم تتراكم بالزخم الذي يفضي إلى تسييس المجتمع بالشكل المطلوب، فخبرتنا في هذا المضمار عمرها لا يتجاوز الستة أعوام، ولو قاطعنا الانتخابات، فإننا سنئد هذه التجربة في مهدها.
من المهم الإشارة إلى أن البعض يخلط بين الانتخابات البرلمانية وانتخابات المجلس البلدي، وكأن مهمة المجلس تشريعية وليست رقابية. ولكي نكون أكثر وضوحا، إن هذا المجلس يشبه المجالس المحلية، الفرق الوحيد أن نصف أعضائه منتخب فقط.
إن إصرارنا على المشاركة الفاعلة والمسئولة في الانتخابات هو علامة نضج ووعي، وهو إشارة واضحة للمسئول أن المجتمع السعودي مجتمع يسير بخطى واثقة لجهوزيته للخيار الانتخابي، خلافا لما يطرحه البعض. إن الأمل في الإصلاح هو الدافع الذي يجب أن يحركنا لإنصاف أنفسنا ومجتمعنا وتحمل مسؤوليتنا تجاه هذه الفسحة من الأمل وهي انتخابات المجلس البلدي.