بكاءٌ ونقمةُ قاضٍ !!
قراءة المستقبل بجلاء وصفاء من شيم العقلاء والنبلاء، فملاحظة التغيرات والكشف عن ملابسات التوقعات مهمة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، خصوصا تلك التي ترتبط بحياته وما سيؤول إليه من نصيب !‘ فالحكومات التي تتساقط كأوراق الخريف الصفراء، عليها أن تتخير الموتة التي تنوي أن تلفظ بها أنفاسها الأخيرة، وإلا فإن الرياح العاتية لن تُفسح مجالاً للتفكير، إذ أن قبضة ملك الموت الموكل بنزع الأرواح لا تُمهل أحداً وليست بمعزل عن أحد، حتى أولئك الذين يسكنون البروج المشيدة !
الغرور والهالة الوهمية التي يضخها الحاكم حول عينيه إنما تضلل طريقه هو، وتعتم على مراشد قلبه هو، وتطمس معالم دروبه هو، فيغدو كحاطب ليل وتتشاكل عليه الأوراق في أهم لحظاته الحاسمة، فتضيع الحكمة من بين أنامله ولا ينفع حينها البكاء على اللبن المسكوب !
السلطان المتسلط كلما تقدم به العُمر، كلما ظن أن لصفو الحياة ديمومة لا تنقطع بالشوائب والمنغصات - وما صفو العيش إلا بالنكد – إن هذا الحُلم الوردي أكيد عليه الحبيب المصطفى بقوله : " يشيب ابن ادم وتشب منه خصلتان : الحرص وطول الأمل "، ولما نسبر أغوار الواقع نشاهد أن الرئيس اليمني والمدمر القدافي والسلطعون الخليفي من أجلى هذه المصاديق، دون أن ينتهي الإبحار عند شواطئ هذه الشخوص الظلمائية !
إن مصير هذه النصب والتماثيل الرعناء لن تحطم بعيداً عن أضرابها، ولنا من الواقع حكمة أن جحيم المحكمة تساق لكل ذي كتاب أسود، ولكل عفلق دماء، ولكل مستسبع لإنتهاك أعراض المسلمين الأحرار الغيارى، فكلما زيدت مكاييل الأوامر الشيطانية، ونضحت بحيرات الدماء الشريفة، وتراكمت أفاعيل إبليس الرجيم، كلما كانت حياة التقاعد التي يحلم بها الحكامُ المسنون كابوسية ثقيلة !
الفرعون يحلم أن يكون للناس رباً يُعبد من دون الله، ولكن الحقيقة المرّة أن يشاهد في محراب سجن شقاءه خلف القضبان، فهل من رادع يردع الفراعنة المتبقين في قعب الاستكبار وعفاريتهم ؟!
لم يتعظ أيّ حاكم عسوف من نهاية (صدام) ومشنقته، وآلو على أنفسهم إلا أن يكونوا مواعظاً جديدة للغير وإن اختلفت الفصول، إلا أن النهاية تطابقت، ولكن بألوان درامية متميزة، لنا أن نتوقع محكمة عادلة لكل من أهرق محجمة دم من شعبه في غياهب المحابس ومطامير السجون !، فمتى سيتعقل المتعقل من أصحاب السلطنة؟! حتى يخففوا عن أنفسهم قبضة القاضي !!