حتى لا نكون ( ضو ليف )!
في كل مرة يستفزنا حدث نستنفر له كل طاقاتنا المشحونة عاطفيا للتعامل معه تعاملا آنيا، ونقوم باستدعاء فرق الطوارئ ذاتها التي استخدمناها في الماضي وبنفس التجهيزات والآليات لتمارس دورها التقليدي في الموقف الجديد، فما الذي يحدث؟!
آخر حدثين مرا علينا هما أحداث البقيع والتصريحات التكفيرية لإمام الحرم المكي الشيخ عادل الكلباني. انفعلنا مع الحدثين وقمنا بإصدار البيانات وتدبيج المقالات وترتيب بعض اللقاءات، ثم ماذا؟! أخشى أن يكون الجواب حسب المثل الشعبي عندنا ( ضو ليف ) أي مثلنا مثل نار اشتعلت في ليف النخل، كناية عن سرعة الاشتعال وسرعة الانطفاء، لأننا في الغالب – وللأسف الشديد- نتحرك استجابة لأفعال الآخرين أي كردود أفعال وليس كأفعال مدروسة محكومة برؤية واضحة وتخطيط بعيد المدى يستلهم الماضي ويقرأ الحاضر ويستشرف المستقبل.
السؤال الذي يطرحه عمرو ناصف دائما هو: ماذا بعد؟ ولكي نجيب على هذا السؤال يجب أن نعرف: ماذا قبل؟ وأعني بذلك ماذا فعلنا قبل هذين الحدثين، وماذا سنفعل الآن قبل أي حدث استفزازي آخر؟
وحتى نضع النقاط على الحروف نضع مجموعة من الأسئلة التي قد تشكل الإجابة عليها مفاتيح لتقييم موقفنا الراهن:
- ما هي قضيتنا الأساسية كطائفة؟ أليست هي التمييز الطائفي الذي يأخذ أشكالا وتجليات مختلفة في كافة مناحي حياتنا؟
- إذا كانت الإجابة بنعم، فما هي الدراسات التي لدينا عن هذه القضية؟ ما هي الأرقام والحقائق والوقائع والإحصائيات التي يمكن أن نترافع بها لدعم قضيتنا؟
- هل قمنا بالاتفاق على صياغة رؤية مشتركة ذات أسس واضحة تحدد ما نريد؟ وهل قمنا بتسويق هذه الرؤية؟
- هل كتبنا رسالتنا الوطنية التي تحدد ما نطمح إليه من وطن متسامح يعترف بكافة مكوناته ويعاملهم على قدم المساواة في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص؟
- هل أوصلنا صوتنا لمن يهمه الأمر أيا كان موقعه، مسؤولا أو ذا تأثير في الشأن الديني أو السياسي أو الإعلامي؟ وهل تأكدنا من وصول رسالتنا دون تشويه أو تحريف؟
- هل تعيش القضية على رأس أولوياتنا أم أنها على الهامش؟
أسئلة كثيرة يمكن أن ترد في هذا السياق، وحتى تنجلي الصورة أكثر سأستخدم القياس التمثيلي لكرة القدم، فلو أردنا أن نخوض مباراة في كرة القدم فما هو المطلوب لتحقيق الفوز؟
- سنحتاج فريقا مدربا مؤهلا متحمسا وبكامل لياقته، يعيش حالة الانسجام، كل واحد من أفراده له وظيفة محددة تبعا لمركزه في المرمى أو في الدفاع أو في الهجوم، ويهدف الجميع إلى الوصول إلى نتيجة واضحة.
- سنحتاج إلى خطة محكمة استوعبها الجميع وتدربوا عليها.
- سنحتاج إلى أن نتعود على أرضية الملعب وأن نفهم الطقس والبيئة المحيطة.
- سنحتاج إلى أن نفهم الفريق الآخر فهما جيدا ( نقاط قوته ونقاط ضعفه وطريقة لعبه ).
- سنحتاج إلى اختيار فرد من الفريق يحمل شارة الكابتن.
- سنحتاج إلى فريق احتياطي يكون على أتم الاستعداد خارج الملعب.
- سنحتاج إلى مشجعين يدعمون الفريق ويرفعون من معنوياته.
- سنحتاج إلى أشياء أخرى ربما نسيتها لأنني لم أمارس هذه اللعبة منذ عقود.
السؤال هو: ماذا لدينا من القائمة أعلاه؟
ربما لا يكون حكم المباراة منصفا، وربما تعرقل عوامل خارجية نجاح فريقنا، ولكن هذا لا يشكل سوى 10% فقط، أما الباقي فإنه يقع تحت مسؤوليتنا، وما علينا سوى السعي الحثيث، والتوفيق فبيد الله سبحانه وتعالى.
أخيرا أكتفي بهذه الإضافة وهي إن التحول من الحالة الانفعالية إلى حالة المبادرة والفعل يحتاج إلى ثقافة جديدة غير تلك التي تعودنا عليها. (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)