نعم بالكرباج !!
القادة الجيِّدون هم الذين يعملون على الإرتباط بالناس طوال الوقت، لأنه كلما كانت العلاقة بين القائد والتابعين اقوى، كان الإرتباط أكبر، وزادت احتمالات أن يرغب هؤلاء التابعين في مساعدة القائد، أو الرئيس وعدم التخلي عنه تحت أي ظرفٍ كان.
أحد أهم أُسس الإرتباط بالآخرين هو أن يُدرك الرئيس أنه حتى في المجموعات عليه ان يرتبط بالناس كأفراد، يقول الجنرال نورمان شوارزكوف " لقد رأيت قادة أكفَاء يقفون أمام فصيلة من الجند وكل ما يرونه هو فصيلة من الجُند ليس إلاّ، ولكن العظام من القادة يقفون أمام فصيلة الجند ويرون أربعة وأربعين فرداً، كل واحد منهم لديه طموحات، ويريد أن يعيش، وأن يُبلى بلاءً حسناً.
إنّ القادة الناجحون هم الذين المبادرون دائماً، إنهم يقومون بالخطوة الأولى مع الآخرين ثم يبذلون الجهد المخلص للإستمرار في بناء العلاقات، إنني أعلم بأن هذا ليس سهلاً على أي حال، ولكنه مهم بالنسبة لنجاح المؤسسة مهما صغُر حجمها، وعلى القائد أن يقوم بذلك مهما بلغ حجم المعوقات التي قد تواجهه.
بعض القادة يواجهون مشكلات عندما تتعلق المسألة بالإرتباط بالتابعين لهم، لأنهم يعتقدون أن الأدنى هو الذي يجب أن يصعد للأعلى، فقادة المناصب على وجه الخصوص يقولون لأنفسهم، أنا الرئيس، أنا الأعلى منصباً، هؤلاء هم الموظفون لدي، فليأتوا هم إلي، بل إن بعضهم وبكل أسف يستكثر أن يتصل بموظف ما يعمل تحت إشرافه ليطلب منه أن يقوم بمهمة معينه، أو ليسأله عن أمرٍ ما، وعوضاً عن ذلك يصدر أمره " النافذ " ليتصل الموظف به، وكأنه عندما يُبادر هو بالإتصال يقلِّل ذلك من قيمته، ويُضعف هيبته الإدارية !!
القيادة تحتاج إلى أُلفة، والأُلفة لا تأتي بالكرباج، " بل باللين وخفض الجناح للتابعين " وهذا ما يؤكد عليه الباري عز وجل حيث قال : ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ آل عمران159، وقال تعالى في ذات السياق أيضاً:﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾الشعراء215 وإذا القيادة جاءت تحت تأثير السوط الإداري، وقوة دفع القهر والإلزام فإنها حتماً ستكون مهدّدة بالإنهيار بين لحظة وأخرى وإن طال الزمن، لأنها تعتبر فاقدة للمصداقية، لأن الأساس هو الفهم المشترك، وحتى وإن كان الرئيس قد حاز على منصبه هذا بكفاءة وإقتدار، فلا مناص أمامه من البحث عن ارضية مُشتركة بينه وبين التابعين لإدارته لضمان نجاحه وتحقيق الأهداف المنشودة، لأنهم رأس المال الحقيقي بدون جدال.
لم أستغرب على الإطلاق أن يبادر بعض الموظفين للإحتفال وتبادل التهاني والتبريكات والقبلات إبتهاجاً بنقل رئيسهم الذي كان جاثماً على صدورهم ردحاً من الزمن، ويقودهم بإسلوب بوليسي رهيب ينتسب إلى ميراث القرن المنصرم، ولن تصاب أنت بالدهشة إن ألفيت أحد الموظفين رافعاً كفيه بجوارك في صلاة الجمعة سائلاً الله أن ينتصر له من رئيسه المتغطرس الذي أهدر حقه في سرور، واغتال كفاءته في وضح النهار، مع تحفظي على هذا السلوك " الإنفعالي " ليقيني المُطلق " بأن الله كافٍ عبده " تحيّاتي.