خلاص ، كفاية
إن مما يثير الدهشة والإستغراب ، ويدعو إلى الحيرة لكثرة المبررات والأسباب . ويدفع إلى الشفقة والإرتياب . هذا الشعور السلبي الذي يسيطر على معظم أبنائنا وذلك بفقد الثقة في النفس وعدم القدرة على التواصل الإيجابي مع الآخرين أو التعبير المتوازن عن الذات ، لا سيما في المحافل العامة ، أوفي بيئة العمل ، أو حتى مع أقرب المقربين إليهم ، بما فيهم شريك حياتهم عندما يتزوجون ويصبحون أرباب أُسر .
لست أطرح هذا الإنطباع جزافاً دون دراية أو علم ، بل تريثت كثيراً قبل أن أطلق العنان لهذا المقال أن ينساب صراحة ووضوحاً ، ومحبة ووداداً على هذه الصفحة الإلكترونية الموقرة ، ولكن للأسف في كل مرة أتشرف فيها بتقديم برنامج تدريبي لمجموعة من الشباب- الذين إلتقيت بالمئات منهم - لا ألبث أن أكتشف مُجدداً ذلك الضعف الواضح ، والتضعضع الفاضح في ثقة غالبيتهم بأنفسهم وعدم قدرتهم على التفاعل مع الآخرين ، أو التعبير عن إحتياجاتهم ومطالبهم بطريقة تضمن التعاطف معهم على أقل تقدير ، ناهيك عن الإستجابة لهم .
حاولت مراراً وتكراراً أن أسبر غور ذلك القصور ( والأنيميا في الثقة في النفس ) الذي يصل لدى البعض إلى درجة ( الثلاسيميا ) وأفتش يميناً ويساراً عن أسبابه ، ودوافعه ، ومنتهاه ، وأفاجأ في كل مرة بتصاعد قائمة الأعراض التي في جلها ترجع إلى مرحلة الطفولة حسب ما يرى من تحدثت معهم
والذين أوضحوا بمرارة وألم معاناتهم من تلك المواقف القاسية التي تعرضوا لها أثناء طفولتهم من حالات القهر النفسي والفيزيقي ( الجسماني ) من الوالدين ، أو الأخوة الكبار ، أو الأقرباء ، أو المعلمين ، بل ومن كل من له سلطة عليهم من قريب أو بعيد ، الأمر الذي بات يشكل عائقاً لهم ، ويحول بينهم وبين التعبير عن ذاتهم ، والصدع بما يؤمنون به نظراً للرواسب السلبية التي إستقرت في اللاشعور وأصبحت تتحكم في سلوكهم وتُضعف فاعلية من شخصياتهم .
أيها الأحبة :
• هل تعلمون من هي أفضل دولة في العالم يصغي فيها الوالدين إلى أبنائهم يومياً ، ويتبادلون معهم أطراف الحديث دون حواجز أو موانع ؟
• وهل تعلمون ما هو نصيب الأبناء من وقت والديهم للإصغاء لهم يومياً والإستماع إلى مشاكلهم التي يعانون منها أو تضايقهم في عالمنا العربي ؟
أتمنى أن أجد منكم العذر لإعفائي عن الجواب ، حتى لا تصدمكم الإجابة . وما أثبتته الدراسات والإحصائيات العالمية .
حسناً إنني مضطراً بإكراه إلى إعلان النتيجة :
• إن أفضل دولة يُصغي فيها الوالدين إلى أبنائهم هي ( بلد البيتزا ) ( إيطاليا ) حيث يخصص فيها الأبوان أكثر من ( 16 ) دقيقة يومياً للإصغاء إلى الأبناء والحديث معهم ، وليس ( إليهم ) كما يفعل معظمنا .
• بينما في عالمنا العربي الذي كانت معجزة رسوله ( ص ) هي القرآن الكريم ، لا يتجاوز الوقت الذي يخصصه الأبوان للإصغاء لأبنائهم ألـ ( 30 ) ثانية يومياً ( عجبي ) !!!
ثم تأتي المفارقة الأكثر عجباً ، حيث إننا أول من يُعلِّم الأبناء الكلام ، ويدربهم على حُسن النطق وجودة التعبير ، ويلقنهم المفردة تلو الأخرى ، ولا تسعنا الدنيا فرحاً عندما ينطق الطفل بأول كلمة في حياته ، ونحتفل بها بلا حدود ، ونطلب منه ترديدها مراراً وتكراراً ، ونستمتع بها بلا ملل ولا كلل ، ونكافئه ضماً وتقبيلاً ، ثم عندما يكبر نكون أول من يُطالبه بالصمت والسكوت . بل ونعتبر ذلك مؤشراً على البر والأدب وإكتمال النضج وحُسن التربية . وإستيعاب القيم . ولا نلبث إن أطال الحديث معنا ، أو ألح علينا في المطالبة بأمر ما ، أو إختلف معنا في وجهة نظر . أن نصرخ ونزمجر في وجهه غاضبين غير آبهين ( خلاص .. كفاية ) .
أرجوكم ثم أرجوكم أن تفسحوا المجال أمام فلذات أكبادكم بحرية التعبير حتى ولو لم يعجبكم بعض كلامهم . ولم تروق لكم زخات أفكارهم . لأن الزجر أصعب والحوار معهم أفضل وأنسب . فلا شيئ أمر وأقسى من الحرمان والكبت لا سيما في مرحلة الطفولة حيث تتشكل فيها الشخصية وتتجذر ملامحها التي ترسم صورتها المستقبلية . توكلوا على الله وحاسبوني على النتائج . ولكم دعواتي .