يوم الحمار العالمي !
بمجرد أن سمع أبا سالم بسقوط حماره العجوز بمياه التصريف ، حتى هرول فزعاً إلي مكان الحادث ! .. رحل الحمار العزيز بعد سبعة وعشرين عاما قضاها في خدمة أبي سالم وعائلته ، فتلقى صاحبنا العزاء من أبناء عمومته وأصدقائه .. حتى أنقضى عام على رحيله ، وأصبح لدى أبا سالم حماراً شاباً من الرعيل المطور ، والحيوية المبطنة قد فاضت من جوانبه ، لكن مازال أبا سالم يقف عند تلك الترعة كلما مر بها ، وما زال يسير بخطوات بطيئة وحزينة حتى ذاك المكان ، وروحه ترقص حزناً على أطلال الحمار العزيز ، حتى طلب من أحد ابناءه أن يضع لافتة تخليداً لذكراه ، وأن يكتب بها ( هنا رحل صديقي المخلص ) .
نعم سيدي القارئ الكريم ، لاتستغرب مما فعله أبو سالم ، فالحمار أصدق وأصبر مخلوق على الأذى ، وله بصمات جليلة في مسيرة الإنسان وخلافته على الأرض ، فحتى الأنبياء عاشوا حيناً من الدهر برفقة الحمار .. في السلم وفي الحرب ، وفي الحل والترحال ، وفي تبليغ رسالاتهم السماوية ، كما فعل النبي محمد وعيسى وعزير وموسى ويعقوب عليهم السلام ، فالحمار إبن عم الحصان ، وهو لايقل عنه أهمية وعطاء ، فإن كان الحصان صديق الأنسان بالحـرب ، فالحمار أنيسه بالسلم .
مسكين ومظلوم أيها الحمار ، فقد تعودنا أن نكرم السامع والملائكة عند ذكرك ، وتعودنا أن نرمي ونشبه الأغبياء من بني البشر بك ، مع إنك أذكى وأنفع من كثير مما يدب على الأرض ..وإن فكرنا ملياً ، كلها تفـتقر العقل ، ومن باب العدالة والمصلحة أن نقرب إلينا من ينفعنا ويخدمنا أكثر ، والواقع إن الحمار أخدم وأنفع حيوان للبشر على وجه الأرض ، حتى أكاد أجزم بإن كل إنسان قد رأى حماراً في حياته ، وإن كل قرية أو مدينة ، قد قطنت من قبل الحمير يوما ما ، ومآثرها مازلت تنطق بذلك .
يقول علماء الحيوان ، ظهر الحمار على وجه الأرض قبل أربعة ألاف عام قبل الميلاد بشرق أفريقيا ، أي قبل الحصان بألفي عام ، وإنه حيوان مستأنس وصبور ومخلص ووفيّ ، ولايعصي الأوامر الموجهة إليه ، وأنثى الحمار تسمى الأتان ، وإبنهما هو الجحش ، ولقد تزوج الحمار من بنت عرقه الفرس وأنجبا البغل حامل الأثقال والأعتاد العنيد ، ولقد عرف الحمار بذاكرة قوية جداً وحاسة سمع لايستهان بها ، وقد تعود الإنسان أن يصطحب الحمار مع قوافل السفر وأرتال الجيوش ، لأنه أفضل دليل للطرق الجديدة والغير مأهولة ، حتى أصبح كالطير الزاجل على الأرض .
الحمار حيوان أذكى مما نتصور ، وله صفات ومآثر لانعرفها أو قد نتعامى عنها ، حتى مع أتهامنا له بالغباء المنقطع النظير ، لكن تكليفه التكويني جعل منه مطيعاً صامتاً ، والذنب ليس ذنبه إن كان صوته شهيق وزفير بنشاز ، حتى ذكره القرآن بأنكر الأصوات .. وهذا لايقلل من قيمة الحمار وينكر بصماته الجلية ، فهو مخلوق ممكن الوجود كأي حيوان آخر ، ولو صنفنا الحيوانات بقدر عطائها ، لكان الحمار في مقدمتهم ، ولقد مدح الدميري الحمار في كتابه حياة الحيوان الكبرى وشرح فيه.
وفي المأثور ، يقال إن خمسة إخوة قد أضاعوا أمانة أبيهم بعد سفره للحج ، وهي حماره الأعرج ، فلما بحثوا عنه وجدوه قد سقط في بئر مهجورة بالجوار ، فأقترح بعضهم أن يدفونه بالرمل حتى يموت ولا تخرج رائحته ، ففي كلا الحالتين هو ميت ، وهكذا أتفقت عقولهم الذكية على أنجاز المهمة ، فرموا بالرمل تباعاً ، والحمار ينفض نفسه كلما تلقى كومة ، ويدوس الرمل تحت حوافره حتى أرتفع للأعلى وخرج من البئر ، ونهق في وجوههم وكأنه يقول لهم أنتم الأغبياء وأنا الذكي ! وفي عصرنا هذا ، أتخذ حزب الدمقراطيون بأقوى دولة بالعالم وهي ( أمريكا ) الحمار شعاراً لهم ، كونه جلد صبور ولايعرف اليأس .
الحقيقة التي يجب أن تقال مع إحترامي لمن يخالفني ، إن إنساناً بلا عقل أوضع من الحمار ! وربما سيحاكمني الحمار يوماً لقولي هذا ، كوني شبهته بمخلوق لايهش ولاينش ، فالحمار برستيج مطلوب للمزارعين بالشام ، وقائد رئيسي فعال لمسيرة الماشية، ويصل بصاحبه النائم لعدة كيلومترات حتى يتوسط مزرعته ، وإن مـر بحفرة في طريقه يتخطاها عند عودته ، والإنسان مع الأسف يقع بنفس الحفرة كل يوم مع إحتواء أم رأسه للعقل الجبار ! ، وأختم مقالي بقصة الحمار العجوز الذي أخذه أبن القرية الموكل إلي قمة الجبل كل يلقيه وينهي حياته لأنه لم يعد ينفع وأنتهت صلاحيته، وبينما كان يدفعه ، زحفت رجله وأنحنى الحمار وسقط الشاب إلي أسفل الوادي ، فرجع الحمار إلي القرية وهو ينهق ولسان حاله يقول : لا مفر يامعشر البشر .. على فكرة : أقترح أبوسالم الفلاح على عمدة القرية أن يكون يوم رحيل حماره ( يوم الحمار العالمي ) .