على طريق الوحدة
الحمد لله الذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله هاديا ومبشرا ونذيرا، والصلاة والسلام على أهل بيته الأطهار و أصحابه وأنصاره الذين ساروا على نهجه وخطاه إلى يوم الدين وبعد،
لقد بعث الله خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بهذه الرسالة المحمدية الأصيلة، ليوحد القلوب والعقول والنفوس تحت راية واحدة وتحت سقف واحد وتحت مظلة شرعية وهذه المضلة هي مضلة الإسلام العظيم ، وقد ألف الله له قلوب المؤمنين وأيده الله بنصره ، وأعزنا به بعد ذل، وأنجانا بدعوته من الضلالة إلى الهدى ، وقد كنا على شفا حفرة من النار فهدانا به ، وبعثه برسالة خالدة ما خلد الدهر ، وبذا تكون هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس.
وقد عمل صلوات الله عليه وآله وسلم جاهدا في توحيد صفوف العرب، بل حتى الأعراب الذين وصفهم الله عز و جل في كتابه المجيد حيث قال : (الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:97).
والأعراب هم بطبيعتهم قساة القلوب متعجرفي التصرف ، جفاة رعاة ، زرعت الصحراء فيهم الجفاف بجميع أنواعه ، فكيف نتخيل معاناة الرسول مع هؤلاء ، وكيف حول هؤلاء إلى أخوان يخاف كل منهما على الآخر ، ويعين بعضهم بعضا ، ويحب الفرد منهم لأخيه ما يحب لنفسه ، وقد قال أحد علمائنا (لو لم تكن الدعوة إلا لهداية مثل هؤلاء فقد حقق الرسول معجزة بذلك) لأنه يصعب على هؤلاء قبول مثل هذا الأمر، إذ ألف بين هؤلاء الغلاظ الجفاة والبداة فأصبحوا متحدين تحت راية واحدة ، بل أكثر من ذلك فأنه خلق فيهم روح التشاور ، والتآخي بينهم والمشاركة ، وكأنهم نفس واحدة والأخذ والعطاء حتى في أمورهم الشخصية.
فكيف بمجتمع كمجتمعنا يحمل هذه القيم في مذهبه ودينه وهي راسخة في تفكيره ، والوحدة مطلب الكل يحث عليه ويبحث عنه ويطالب به ، لأنه يدعم تآخي المجتمع ووحدة صفه وتماسك بنيانه ، بل يعتقد البعض بأن الوحدة مطلب شرعي، بل فريضة ثابتة وواجب إلزامي ، من منطلق فهمهم أو نظرتهم إلى الآية الكريمة ،﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا﴾ (آل عمران:103) وقال تعالى أيضاً: ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين﴾ (الأنفال:46) ، وقال: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾ (آل عمران:110).
كيف نجسد روح الوحدة ؟ !!!..
نعم ربما نختلف في الأذواق والميول والأهواء ، ولكن نتفق في الجوهر ، بل نتفق على أكثر بكثير مما نختلف عليه ، ولا يعني اختلافنا أن نكون أعداء ، بل يجب أن نمارس حقنا في الإختلاف والعمل كما في الدول المتقدمة كمعارضين ، ونقاش خلافاتنا بصورة حضارية والإستماع لبعضنا البعض مع اختلاف آرائنا.
وأن سلوك الاختلاف سلوك رائع يجب استثماره في ما يعود ريعه لخدمة المجتمع والناس ، ولنأخذ بعين الاعتبار ما جرى ويجري في الائتلافات السياسية المختلفة في انتخابات العالم ، مع اختلاف الأهواء والأذواق ، لكن يجمعهم وحدة الهدف ، وتناشدهم الروح الوطنية حتى مع اختلافهم الجوهري ، والأمثلة السياسية على ذلك كثيرة وعديدة ، فمن يتابع السياسة في العالم يجد ذلك واضحا وبينا ، مع اختلافهم استطاعوا أن يتحدوا في ما يعود للصالح العام لأبناء جلدتهم، ولسنا بأقل منهم في التفكير ولا العمل في القيام بمثل هذا الدور ، فلماذا لا نحاول بصدق وجدية من دون الطعن والتعرض لأي شخصية كانت .......
نريد العمل على الوحدة لا الفرقة ، وعلى لم الشمل لا التشتت ، وعلى البناء لا الهدم، ونحث أبناء المجتمع على رص الصف، ووحدة الخطى، ولم الصدع، وهذا هو المطلب المرتجى والذي نسعى إليه ، ولا شك أن المولى صاحب العصر والزمان (عج) أرواحنا لتراب مقدمه الفداء يبارك مثل هكذا عمل.
وقد نبذ الله سبحانه وتعالى ألفرقه بالعديد من الآيات والأحاديث الشريفة ، فقال في محكم كتابه وشريف خطابه: ﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم ..الآية﴾ (آل عمران:107) ، وقال تعالى: ﴿إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء﴾ (الأنعام:159).
والآيات في هذا المعنى كثيرة ، واسعة المعنى ، شاملة الإبعاد ، مما يدل على أن وحدة الأمة عقيدة ومنهج حثت عليه الأديان السماوية و العقول ، بهذا تكون الوحدة أمر واجب لازم لا خيار لنا في تركه وإهماله ، وأن الفرقة والتفرق مدعاة للفشل ، وتمزيق للمجتمع ، وتوسيع دائرة العداء والفرقة والتشتت ، وأكثر من ذلك فهذا الأمر فيه غضب الله ورسوله.
ونحن اليوم في أمس الحاجة أكثر من قبل للقيام بهذه الدور ، والوقوف صفا واحدا لبناء هذا الدور البناء ، والوقوف بعنف ضد التشتت والفرقة ، وخصوصا في مثل هذا الوقت بالذات الذي به العيون تتربص بنا والأشرار أعينهم علينا ، كما أن معظم التشتت والتفرق و الاختلاف لا لأمر ما، وإنما لأهواء تتحكم في المشارب والنفوس ، والمطامع الشخصية ، وإذا رجعنا وأمعنا النظر أكثر في اختلافاتنا وجدناها أمور شخصية وأهواء نفسية وضوضاء لا قيمة لها بل هي رواسب مختلفة ، أكل عليها الدهر وشرب ، لا تستحق أن تذكر ولا تستحق منا هذا العناء.
كما ارجوا وأتمنى أن يسعى كل من يهمه أمر المجتمع بكل إخلاص وتوجه وجهد على نشر الوعي وتثقيف الناس للم الشمل وليس للتفريق ، والتعامل مع هذا الشأن بشكل خاص ، واحترام رأي رجالات العلم والفكر والسماع لهم في ما يعود للصالح العام ، والسير معا لكسر حاجز العناد وخلق الروح الطيبة القادرة على تذويب العداء والتفرقة وتغييره إلى معيار الإصلاح والصلاح والتطور، واستغلال هذا النهج على أن يكون منهجا استشاريا ، ونقدا بناء ، وداعما معنويا لكي نبني مجتمعنا ونرفع مستواه إلى المستوى المرموق الذي يليق به.
وبهذا نوجه مثل هذا الخطاب لأهل المبادرة الصادقة التي تؤمن بهذا النهج ، وهي على استعداد تحمل عقبات هذا الدور مع ما يؤول إليه من تعب وعناء ، ويعمل على تقريب وجهات النظر ليسهل حل مثل هذه النعرة الاجتماعية التي يمر بها مجتمعنا وأصبحت تنهش فيه وتنخره.
وكما بادرت ثلة من المؤمنين بهذا الدور سلفا ، ولم تكمل هذا الدور لسبب ما ، نود أن ننوه ونتوجه إلى أهل الحل والعقد والعقلاء من أبناء هذا البلد الطيب المعطاء ، أن يسعوا جادين في العمل على دعم مسيرة إصلاح الأمور وتوحيد الكلمة.
وليكن الخلاف رأي يسود احترامه لا معاداته كما ينبغي الالتزام بآداب الخلاف ، ولا تكون مدعاة لتجريح الآخرين، وهذا الأمر بحاجة للرأي الحكيم ، والعقل الرزين ، والروح العالية للاستماع والأخذ والعطاء ، ولتكن هذه مفتاح البداية ومنها الانطلاق حتى نصل إلى ما هو مرجو.
هذا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته