عقلانية المعارضة...البحرين نموذجاً
منذ 14 فبراير والبحرين تعيش تفاعلاً كيميائياً يتراوح في درجاته بين التوتر والتهدئة. انطلق الشارع البحريني حتى وصل درجة الغليان، ثم سكن حتى وصل إلى الهدوء التام، والآن يتقلب بين الأمرين.
السؤال الذي من المفيد فهم حيثيات إجابته والبناء عليها هو: كيف كان مسلك المعارضة؟
وهل كانت تجنح للعقلانية أم للتهور؟
السمة العامة لحراك الشارع كانت شيعية حيث غالبية السكان من الشيعة. حينها حسمت بعض الأصوات من الوطنيين السنة أمرها بالمشاركة في الشارع والمطالبة بالإصلاحات.
التردد الأولي من قبل الحكومة في اختيار مسار سياسي للمعالجة ما لبث أن تحول إلى حسم عسكري وأمني أراد تفتيت المعارضة، فأنسحب أغلب الشارع السني من الحراك القائم.
ركد الشارع لفترة عندما صعد النظام ممارساته الأمنية عبر اعتقالات طالت نخبة من قيادات المعارضة ومجاميع من الشباب ناهيك عن إغلاق بعض المساجد والحسينيات حيث نحت الدولة لتفعيل قانون الطوارئ، ثم عادت بعد فترة وألغته.
تبتان حقيقة المعارضة في كل بلد عند المنعطفات الحادة. يمكنك اختبار أي معارضة عند المنحنيات السياسية والأمنية والإثارة الفكرية. ينكشف معدنها.
تتضح معالمها.
يتجلى سقف مطالبها.
تستكشف صلابتها.
تفرز مواقفها المبدئية الثابتة عن مواقفها التكتيكية المتغيرة.
ولمعرفة حقيقة عقلانية أي معارضة هناك طريقان، الأول: قراءة مواقفها وتصريحاتها وتحالفاتها ومتابعة مسارها ومستوى نضج ممثليها وقدرتها على استثمار المساحات المتاحة بين الدستور والشارع.
الثاني: مقارنتها بالمعارضات الأخرى في البلدان المحيطة بها، وفي البلدان المتشابهة معها في الظروف والمعطيات.
يمكن القول بنجاح المعارضة البحرينية في الجنوح للعقلنة من خلال قدرتها على اللعب في المساحات المتاحة بين الدستور والشارع، وكذلك عندما نقارنها بمثيلاتها في بلدان الربيع العربي في مصر وتونس أو في ليبيا وسوريا حيث الاصطفاف الدولي الدعم لهما.
رغم التعتيم الإعلامي العربي، وبالتحديد الخليجي، ورغم محاولات تغييب أحداث ثورة البحرين عن الحراك الدبلوماسي والسياسي في الجامعة العربية وغيرها، إلا أن المعارضة تواصل كفاحها وثابتة على المنهج السلمي لحراكها وتحريك الشارع.
المعارضة البحرينية، مع فوارق الألوان بين مكوناتها وتنوعها السكاني، اتخذت المنهج السلمي في حراكها، مع الفارق الكبير بين مستوى وحجم المطالب التي تراوحت بين إصلاح النظام وإسقاطه، والتي تراوحت أيضاً بين الملكية الدستورية والديمقراطية الدستورية، إلا أنها أجمعت كلها على "سلمية" الحراك و"سلمية" تحريك الشارع، رغم أنها تعرضت للقمع الشديد بعد الهجوم على دوار اللؤلؤة ودخول قوات درع الجزيرة للبحرين.
مقابل قمع الدولة وسقوط مجموعة من الشهداء تمسكت المعارضة بـ"سلمية" حراكها في الشارع والتظاهر. تحملت عنف الدولة ولم تنجر إلى عنف مضاد أو الاستسلام لمطالب منادية بمواجهة عنف الدولة بعنف مضاد.
تتضح عقلانية المعارضة البحرينية من خلال تدرجها في رفع سقف المطالب الإصلاحية، وفي رفضها لكل أشكال التدخل الخارجية، وفي فهمها للساحة الداخلية وحدود قابليتها للتعاطي مع الدولة والناس والتكتلات، وفي إدراكها للساحات المحيطة والمواقف الإقليمية فيما يخدمها كمعارضة، وفي اعتدال لغة خطابها الموجه للجماهير أو الموجه للنخب والدولة.
يمكننا أيضاً قراءة توازن مواقف المعارضة في ما سمي بـ "وثيقة المنامة" التي صدرت قبل عشرة أيام عن خمس جمعيات سياسية معارضة.
هذه الوثيقة تعبر عن عقلانية سياسية تحسب في رصيد المعارضة في البحرين. فهي كما جاء في ديباجتها: "طريق البحرين إلى الحرية والديمقراطية".
عرضت فيها رؤيتها لحل الأزمة السياسية القائمة ومستقبل البحرين، والمتمثلة بحكومة منتخبة، دوائر انتخابية عادلة، سلطة تشريعية كاملة الصلاحيات، قضاء عادل وأمن للجميع.
قد يستشكل البعض على المعارضة البحرينية حضورها الإعلامي عبر منابر محسوبة على جهات خارجية، ولكنه استشكال، من جهة أولى، من لا يعرف طبيعة التنوع في المعارضة البحرينية، ومن جهة أخرى هو استشكال لا يفقه معنى تضييق الخناق الإعلامي على حراك الشارع، بل لا يستشعر معنى محاولات الحصار والتشويه الإعلاميين لثورة البحرين السلمية.
تعمدت أغلب وسائل الإعلام الخليجية تشويه صورة حراك وثورة الشارع البحريني، بل قطاع كبير من هذا الإعلام نحى بنفسه عن ذكر أي خبر متعلق بها وكأن لا شيء يحدث في جزيرة البحرين الخليجية!!عقلانية المعارضة البحرينية تعبر عن "وطنية صادقة وأمينة" تفضح كل المدعين الذين يتهمونها بالعمالة والخيانة وبالارتباطات الخارجية. هذه الوطنية المتقدمة هي عنوان جامع للمعارضة البحرينية المتعقلة، فهل بعد ذلك يمكن تصديق من يدعون الوطنية وينزعونها عن غيرهم مع كل حدث جديد؟ ليتهم يتعقلون.