الحج دعوة للفرقة أم للوحدة
يحج المسلمون والعرب هذا العام بنكهة الربيع العربي المستمر. بيد أنهم في موسم الحج، وبجوار بيت الله سبحانه وتعالى، لا يريدون سوى إتمام حجهم بحج مقبول وسعي مشكور. لا يريدون لحجهم أن يزيد من تفرقهم، بل يتمنون أن يكون الحج محطة من محطات توحدهم. فالحج مظهر من مظاهر التوحد. لذا ينبغي أن يكون الحجاج رسل المجتمعات المعبرة عن الوحدة بين المسلمين، بل هم رسل مجتمعاتهم المنادية والعاملة على تحقيق الأمن الاجتماعي والسياسي بعدم زعزعة موسم الحج في هذا العام وكل عام.
ستشارك شعوب الربيع العربي في موسم الحج لهذا العام.
سيأتون من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين.
مشاركتهم ستعطي للحج نكهة الثورة والتغيير. ستدفع مشاركتهم الشعوب الأخرى- شعوب البيات الشتوي الطويل- لمعرفة ظروف ومجريات حياتهم الجديدة، من باب أن الجميع "جسد واحد"، أو من باب "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا".
هذا التعارف، وهذا التشارك والتخالط بين شعوب الربيع العربي وشعوب البيات الشتوي يراد منه أن يحقق مبتغياته الدينية الصرفة بعيداً عن محاولات جر الحج إلى مبتغيات أخرى غير متفق عليها بين علماء المسلمين.
الحجاج، بكل أطيافهم المذهبية، يريدون أن يكون حجهم مبروراً وسعيهم مشكورأ.
لا يريدون أن يُستثمر حجهم، من قبل هذا الطرف أو ذاك، أو من قبل هذه الدولة أو تلك، في التشاحن الطائفي المستمر في الساحة السياسية، بل يريدون موسماً تبتهل فيه قلوبهم كما ترتفع أيديهم بالتضرع والدعاء كي يجنب الله أمتهم ما يحاك لها من دسائس الفرقة والتشرذم.
الجميع يتحمل مسؤولية موسم الحج الجاري بما سيتضمنه من إيجابيات أو سلبيات لا سمح الله.
عندما يتوحد الحجاج في مظاهرهم، وفي شعائرهم، وفي تلبيتهم، رغم اختلافاتهم المذهبية، إنما هم يحاولون تجسيد مظهر من مظاهر الوحدة.
هي وحدة أرادها الله ورسوله من فريضة الحج. وحدة في المناسك كتدريب شاق في طريق طويل نحو وحدة المجتمعات الإسلامية والأمة الإسلامية.
قد يلمس الحجاج الاختلافات البسيطة في فقه المناسك وتطبيقها بين مذاهبهم، ولكنهم لا يلتفتون إليها، بل يعذرون بعضهم، لأن كل حاج مشغول عن غيره في تأدية مناسكه. كذلك الأمر بالنسبة للمجتمعات والدول، يراد لها أن تنشغل بالعمل على تزكية نفسها وتنميتها بدلاً من التشاغل ببعضها.
الحجاج، من وجهة أخرى، هم رسل المجتمعات الإسلامية الطامحة للوحدة، ويعكسون مدى ومستوى قابلية مجتمعاتهم للتوحد أم للتفرق.
نعم، هناك تشاحن طائفي يعم المنطقة الإسلامية في هذه المرحلة، ولكن ينبغي أن لا يجتر الحجاج حالة التشاحن معهم إلى موسم الحج، كي يفوتوا الفرصة على أي إرادة مستغلة تبتغي توتير الحج بين حجاج العالم الإسلامي قاطبة. لو حدث ذلك، لا سمح الله، سيتهم كل طرف الأخر بتهم ما أنزل الله بها من سلطان.
من أولويات الحج أن يكون الحاج متجرداً من الدنيا مخلصاً حجه لله.
وعليه يكون الحجاج هم رسل الأمن والسلام الاجتماعيين.
وأمن الحج صورة من صور الأمن الاجتماعي والسياسي، وهو وجه من وجوه قوله تعالى: "فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج" البقرة197 وقوله تعالى: " ومن دخله كان أمناً" آل عمران96-97. الكعبة المشرفة والطواف حولها رمزان لوحدة المسلمين، الوحدة الشكلية والحسية والمعنوية فيشعر المسلم أنه جزء من هذا الكل، وأن هويته من هويتهم، وأن سلامته من سلامتهم، وأن أمنه من أمنهم، بل إن قلوبهم تشفق على بعضها، حباً لوحدة القلوب كما وحدة الكلمة، ليكون الحج موسم توحيد لا موسم تفريق بإذن الله تعالى.