«الفرصة والثقة» بالمرأة السعودية
يبدو أن مجتمعنا السعودي ينطبق عليه قول المثل المصري «أسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك أستعجب». فسيل التناقضات التي يعيشها المجتمع ويقبلها في آن واحد تجاه موضوع واحد تتكرر دائما. فنحن نرفع شأن المرأة نظريا ومن خوفنا منها أو عليها نتعامل معها بدونية. لذا تجدنا نلف وندور كالساقية المتحيرة دائما في كل موضوع ما دام مرتبطا بالمرأة. نزعم نظريا أن ثقافتنا وتراثنا يقومان على احترامها وحمايتها والذود عنها، ولكننا عمليا نصطدم بما تصفعنا به صحافتنا المحلية يوميا عن مدى قسوتنا في تناول كل ما يرتبط بها. فهل النساء عندنا يختلفن عن باقي نساء العالم حتى نتعامل معهن بهذه الطريقة؟
نجد أنفسنا في دوامة من التناقض كل يوم، بخاصة في هذه الفترة، عند مناقشة مفاصل عديدة مرتبطة بالمرأة. منها: قيادتهن للسيارة. مشاركتهن في الأندية الأدبية ودخولهن فيها كعضوات ومشرفات. ممارستهن للرياضة والسماح لهن بتأسيس وإدارة الأندية الرياضية النسائية. مشاركتهن في الانتخابات البلدية ترشيحا وتصويتا. توظيفهن في محلات بيع الملابس النسائية. وتمكينهن من إدارة أعمالهن كسيدات أعمال دون حاجة للوكيل الرجل أو للمدير الرجل!
أود هنا التطرق لموضوع واحد من صور تناقضنا، وهو قيادة المرأة السعودية للسيارة، ولدينا تناقض نظري وتناقض عملي. التناقض النظري شرحه الدكتور محمد عبده يماني قبل أيام بقوله: «هل من المصلحة أن تقود المرأة السيارة في أمان.. أم نضع بجوارها سائقا أجنبيا قد يؤذيها؟... ليس خافيا علنيا أن هناك شكاوى كثيرة من سائقين أجانب مما يستوجب إعادة النظر، فقد أصبحت قيادة المرأة للسيارة ضرورة، وأصبح من حقها أن تقود على الأقل داخل المدن والأماكن الآمنة... لقد استجدت أمور في عصرنا الحاضر تتطلب فقها يتفق مع قيادة المرأة للسيارة، مثلما فعلنا في بعض القضايا... وعلى هيئة كبار العلماء ومفتي المملكة أن يجتمعوا ويناقشوا الأمر ويبحثوا أين الحل... إنني أقول للجميع: اتقوا الله في نسائنا وبناتنا. كيف يحرم إنسان امرأته وبناته من قيادة السيارة دون نص شرعي ثم يحلل لهن الركوب مع أجنبي؟».
أما تناقضنا العملي فصوره كثيرة، منها ما نقلته الزميلة نورة الهاجري بداية هذا الأسبوع في صحيفة الوطن في تحقيقها عن قيادة المرأة السعودية للسيارة منذ 30 سنة داخل أحياء أرامكو السكنية والعملية: «وفي الحي الكبير تقود السيدات السيارات دون الاستعانة بزوج أو سائق خاص. وتشير تقديرات إلى أن وجود قرابة 3 آلاف سيدة يقدن سياراتهن ويذهبن لأعمالهن ويوصلن أبناءهن إلى المدارس. وقد ساهمت الأنظمة الصارمة بإدارة شركة أرامكو في جعل قيادة المرأة مشروعا ناجحا دون عوائق، وأصبح بإمكان المرأة قيادة السيارة والتدريب على قيادتها بموافقة ولي أمرها وسط بيئة اجتماعية آمنة، لاسيما أن عددا كبيرا من هؤلاء النساء يعتبرن موظفات بمناصب قيادية كبرى في شركة أرامكو السعودية».
المرأة السعودية هي جنس بشري لا يختلف أمرها عن أي امرأة في أي مجتمع عربي وإسلامي آخر. ولسنا في موقع مقارنة نتاجها وعطائها، في مختلف المجالات الإنسانية والحياتية والاجتماعية، بشريكها الرجل على المستوى العالمي البعيد أو المستوى العربي والإسلامي القريب، وهي مجالات أبدعت ونجحت وتميزت فيها علميا وعمليا. فكل ما تحتاجه المرأة السعودية «الفرصة والثقة» من المجتمع والأجهزة الحكومية.
نعم هناك حاجة لقيادة المرأة للسيارة في مجتمعنا وآن الأوان لتفعيل ذلك. وبعيدا عن الغلو في الحجج المؤدلجة والرافضة لقيادة النساء للسيارة، ينبغي أن نقر بمستوى أهمية قيادتها للسيارة لحياة المرأة ذاتها أولا، ولحياة الأسرة ثانيا، وللضرورات الاجتماعية ثالثا، ولمدى تأثير ذلك في دفع عجلة مشاريع الوطن التنموية رابعا. والله من وراء القصد.