الأرض تستغيث !
لو كشف لنا الغطاء ، واخذنا جولة مكوكية حول الأرض لبكيناها .
قال تعالى : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) .. هناك أقمار صناعية تحاصر الأرض ، وتلوث بالأرض والماء والهواء ، وغابات جرداء ، وأراضي متصحرة ، وقحط بالمياه ، وضوضاء ، وغيوم سامة ، ورؤية مناخية متقلبة !
نعم سيدي القارئ .. بما إنك أحد سكان هذه الأرض ، ولست لاجئاً من كوكب آخر ، فالموضوع يهمك ، وله علاقة بوجودك ، وبمستقبلك ، فرياح التعـرية والتغيير مرت على غيرك قبل وجودك ، وستمر يوماً أمامك ، فأما تبرح مكانك دون بصمة تشير إليك ، أو تبقى ذكرى وعبرة عابرة لإنسان سيأتي بعدك ، فأما تقع أقدامك على تلك البقعة من الأرض، أو بذاك السهل أو بالبحر ، أو ربما بأحد أطرافها .. المهم إنك مازلت بدوحتها ، وهذا طبيعي كون ملكيتها تعود لنا نحن سكانها الآدميـين ! ، وأنت واحد منا.
الإنسان مخلوق اجتماعي بارع في استخدام نظم التواصل مع نفسه ومع من حوله ، وفي التعبير عن الذات وتبادل الأفكار والتنظيم .. وإعطاء الإقتراحات وعمل التنظيمات التي تؤطر حياته وتنظمها كي تصبح أسهل وأجمل وأسرع ، وكذلك عرف الإنسان بميوله وحبه نحو الطبيعة ومصادرها ، وإختصار الحياة بالأرقام السهلة ، والبعد عن التعـقيد ، وللإنسان علاقة مع نفسه والأخرين ومع خالقه ، وهذا حسب أعتقاده .. كذلك يتميز الإنسان بحسه الجمالي وتقديره وتذوقه للجمال وهو ما يبعث في الإنسان الحاجة للتعبير عن الذات والابداع الثقافي في الفن والأدب والموسيقى ، والمعروف عن البشر أيضا رغبتهم في الفهم والتأثير على محيطهم البيئي وحاجتهم للبحث والاستفسار عن الظواهر الطبيعية ومحاولة فهمها ومعرفة القوانين التي تضبطها ، ومن هنا ظهرت العلوم والفلسفة والميثولوجيا ( علم الأساطير والأفكار الفلسفية ) والدين .
كذلك تميز الإنسان بالنظر للامور بنوع من الفضول والتبصر أدى به إلى اختراع الادوات الدقيقة وتطوير مهاراته وتدوينها ونقلها للآخرين عن طريق التبادل الثقافي .. بالإضافة يعتبر الإنسان المخلوق الوحيد الذي يقوم بإشعال النار منذ وجوده على الأرض ، لطهي طعامه وطعام مجموعته ، وكذلك عرف هذا المخلوق صاحب العقل بإرتداء الملابس وستر عورته .
قبل أيام أصبح عدد سكان الأرض سبعة مليارات نسمة ، أي سبعة الأف مليون نفس ، وكلهم أبناء آدم بإختلاف أشكالهم وألسنتهم ونحلهم ، وأقصد هنا بآدم أبونا النبي عليه السلام ، والذي يحمل أسم ( أدم ) كما يحمل من الأسماء أبناءه البشر ، أحمد وكومار ، وباسكوالي وإبراهيم ومريم ونيكسون ولينا.. وتقدر الأمم المتحدة تعداد سكان الأرض عام 2025 بثمانية مليارات ، وعام 2050 أكثر من تسعة مليارات نفس على وجه الأرض !
لو رجعنا للوراء الزمني ، أي قبل الفي عام فقط ، سيكون تعداد السكان العالمي ثلاثمائة مليون نسمة فقط ، ولو واصلنا الرجوع للخلف سنصل حتى نقطة البداية الأدمية من آدم عليه السلام حتى أبنه شيث ثم حفيده أدريس وباقي الأنبياء.. إذاً توفي آدم قبل خمسة عشر ألف سنة فقط ! وقبله حدث تصفير لعداد سكان الأرض ! أي بعد إنفجار بركان سومطرة ، وإندثار لسلاسلة الإنسان الذي سبقه من فصيلة ( نياندرتال ) أو مايسمى الأنسان القديم ( السابقون )، والذي أنقرض قبل أربعة وعشرين عاماً ، والذي عاش بأوروبا حتى أوزبكاستان ، والتي وجدت آثار هياكله وأدواته بتلك البقع ، حيث تشير أحدث الدراسات عن وجود هذا الأنسان بفلسطين وليبيا أيضاً ، ويعتقد العلماء بأن اجسامهم القصيرة والممتلئة والقوية هي من أهم أسباب بقائهم في العصر الجليدي قبل عشرين الف سنة ، وبمراجعه أدواتهم المكتشفة معهم عرفوا بأنهم صيادون ماهرون ويتغذون على المطاردة، ويسجل العلماء بأنهم كانوا يصطادون في جماعات وفرق مما أدى إلى مواجهة مصاعب الصيد والحيوانات المفترسة الأخرى. يسجل لهذا الإنسان أيضاً مقدرته على الكلام ، ولكن يلاحظ عليه افتقاره لتركيب الكلمات المعقدة أو تكوين مفاهيم أكثر تعقيدا ، كالفن وغيره ، فقد ظلوا بدائيين جدا ، وعرف عنه حس الغيرة والحسد ، و?ان معدل حجم مخ النیاندرتال البالغ أكبر من معدل حجم المخ الإنسان الحالي (نحن) بنسبة عشرة بالمائة .. إذاً الإنسان الحالي ( نحن) لم نكن الوحيدين على الأرض ، إنما الأخير ، وهو ما أشارت إليه الأية الكريمة بسم الله الرحمن الرحيم : (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ َ﴾ .
إذاً لم يأتي الإنسان بالأخير( أبناء آدم ) بجديد ، فقد سفكها قبله إخوته بالإنسانية مع إختلاف أسمائهم آهم وآكم وآشم قبل ثلاثمائة وخمسون ألف سنة ، وهي عمر الأنسان تقريباً على هذه الأرض الكريمة الجميلة ، ولكن أسيء فهمها وإستخدامها ، وهي الأن في أوج عصرتها وألمها وبكائها، حتى غلافها وثوبها ( الأوزون ) تم خرقه ، وفي يوماً ما سيتم نزعه لتصبح الأرض عريانة ، وهذا ماسيحدث ، إذ لن تبقى الأرض مهيئة للسكنى ، ولن يدوم الأنسان عليها ، إذ ستحتاج إلي تصفير العداد ومسح الأرقام ، كما فعلت بالسابق ، لكن هذه المرة غير ، فآدم هو الأخير ولن يأتي أحد بعده ، وسيكون التصفير نهائياً وطرد من الخدمة دون رجعة .
روائي وباحث اجتماعي