خذوا الحسين مدرسة للربيع العربي
محور مفتاح ثورات الربيع العربي تمركز في كسر حاجز الخوف من النظام. للنظام هيبة وسطوة في نفوس الجماهير تصنعان حاجزاً يمنعهم من الحركة. الجماهير بحاجة إلى مدرسة تعلمهم دروس النهوض ويرتشفوا منها معنويات القوة. كان الحسين سلام الله عليه هو تلك المدرسة التي أسست علوم النهوض ودروس الثورة. فلا بقاء لأي حكم جائر إذا ما سقطت هيبته من نفوس مواطنيه.
قال الأستاذ محمد حسنين هيكل في الشهر الأول من ثورة مصر: كسر الناس الخوف في نفوسهم فانطلقت ثورتهم. الأمر ذاته حدث في تونس وليبيا، ولا يزال مفعوله جارياً في اليمن والبحرين وسوريا. حاجز الخوف ليس من السهولة بمكان كسره، ولكنه لا يستحيل على أصحاب الإرادة. لو بقى حاجز الخوف مهيمناً على الناس ما قامت ولا نجحت ثورات تونس ومصر وليبيا. حاجز الخوف هو بمثابة الجبل الهلامي، ولكن مع ضخامته يسقط ويتفتت مع أول شرارة للثورة. لماذا؟ لأنه هلامي لا يصمد أمام صحوة ضمير الأمة!
لكل نظام هيبته. لكل حكم ودولة هيبتهما. تبني تارة بالقانون والديمقراطية الدستورية والحرية المشروعة. وتارة أخرى تبني بالرهبة والسطوة، أو بالترهيب والترغيب معاً. الطريقتان تبنيان هيبة للنظام، بينما الناس في الأولى يحبونها ويتمنون استمرارها لأنها هيبة الدستور والديمقراطية، فإنهم يبغضون الثانية ويتمنون زوالها. بينما الأولى حقيقية ومطلوبة وقائمة على قاعدة ميثاق التراضي بين الناس والحكم، فإن الثانية قائمة على قاعدة ضرورة الاستقرار بالقوة والديكتاتورية. لذا تتحول هذه الهيبة إلى سد منيع يشل النفوس والمجتمعات عن الحركة المطلبية، فتنكمش قدرات وإمكانات المجتمعات داخل نفسها تندب حضها.
لذلك تحتاج الجماهير إلى زخم غير طبيعي يبث فيها روح الحركة من جديد كي يتجدد لديها الأمل في الحياة، وتتجدد فيها ثقتها بنفسها وقدرتها على تغيير واقعها السيئ. روحٌ تسمو في معنوياتها إلى درجة الاستهانة بقوة النظام الظالم وجبروته، بل هي روح تسري في شرايين الناس لدرجة الاستهانة بالموت في سبيل الانعتاق من تعسف الظالمين. إذا طغى الحاكم احتاجت الأمة إلى مدرسة صادقة ومخلصة ترتشف منها تلك الروح.
كانت الأمة في عهد الأمام الحسن عليه السلام بحاجة إلى أن تكتشف مساوئ الحكم الأموي، فكان صلح الإمام مع معاوية هو الطريق الفاضح عبر الزمن لهذا الحكم. بينما في عهد الحسين عليه السلام كانت الأمة بحاجة إلى من ينزع عنها ثوب الخوف من الحاكم. فما كان أمام الحسين عليه السلام إلا طريق الاستشهاد والشهادة، ولكنه استشهاد بطريقة خاصة، فيُقتل هو وأولاده وأصحابه ويُمثل بهم بطريقة لا تتكرر في التاريخ حيث تبقى علامة فارقة في تاريخ الأمة، فأسس الأمام بثورته مدرسة تتعلم منها الأجيال كيفية انتزاع الخوف من النفوس.
نذكر هنا بعض أقواله عليه السلام، من خلال ملحمة كربلاء، والتي تؤسس لمنهج كسر حاجز الخوف عند الحاجة لذلك. فقبل أن يتحول موقف الحر بن يزيد الرياحي رضوان الله تعالى عليه ويصبح في جبهة الحسين عليه السلام، وفي محطة زاخرة بالتوتر حيث أشار الحر للإمام بأن نهايتك الموت! قال له الإمام: أفبالموت تخوفني؟ وأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى إذا مـا نـوى حـقّـاً وجـاهـدا مـسـلـمــا
وواسى الرجال الصالحين بنفســه وفـارق مـثـبــوراً وخـالـف مـجـرمــا
فإن عشت لم أندم وإن مت لم أُلـم كــفــى بـك ذلاً أن تـعـيـش وتـرغـمـا
(كلمة الحسين:209). ومن أقواله:(إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما)212 وقوله:(لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذيل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد)225 وقوله:
أنا الـحسـيـن بـن عـلـي آلـيـت أن لا أنـثـنـي 250