صيفنا الحار والتنفس الحُر
مقابل فرحة الناس بقدوم إجازة الصيف، خاصة الطلبة والطالبات بعد الانتهاء من موسم الامتحانات، تبدأ الأسر في التفكير والاستعداد لتمزيق هذه العطلة بين السفر والسهر. بيد أن أغلب الناس، لاسيما الشباب والشابات، إذا راحت السكرة وجاءت الفكرة، وبعد ذهاب الوهلة الأولى من الفرح والمرح، بعد الأسبوع الأول من الإجازة، وبالكثير بعد الأسبوع الثالث، يتنبهون إلى ضخامة وحجم الوقت الذي هم بحاجة إلى تمضيته كي تسير حياتهم اليومية بشكل سلس ومقبول بلا ملل أو ضجر أو تذمر.
ما دفعني لكتابة هذا المقال خطورة موضوع الدراسة الميدانية التي قام بها مركز أسبار للدراسات والبحوث حول موضوع الفراغ عند الذكور والإناث في مجتمعنا، وتم الإعلان عنها بداية الأسبوع الجاري، وقد ذكرت بأن نحو 36.9 في المائة من الإناث لديهن وقت فراغ يتراوح ما بين 4 إلى 6 ساعات يوميا! مقابل 43.2 في المائة لدى الذكور! أما الذين لديهم من 7 إلى 12 ساعة فراغ في اليوم الواحد فقد بلغت نسبتهن 15.3 في المائة من الإناث، مقابل 24.2 في المائة من الذكور!!. هذا الحجم من الفراغ، وفق هذه الدراسة، مسألة عظيمة الخطر، لأن فراغ ساعة واحدة في اليوم يعد بابا للأخذ بالمرء لمسارات سلبية غير مأمونة، فكيف بأربع أو سبع ساعات أو 12 ساعة؟
لا شك بأن الفراغ يتضخم ويصل إلى ساعات مفتوحة في أيام إجازة الصيف الطويلة. هنا، كيف ستواجه كل أسرة غول الفراغ القادم في كل صيف؟ وهل سد الفراغ تنحصر مسؤوليته في الأسرة فقط؟ أم تتسع دائرة المسؤولية لتشمل المجتمع والدولة وجميع منظمات المجتمع المدني والأندية الأدبية والرياضية والقطاع الخاص والمدارس والجامعات؟ الفراغ مسؤولية الجميع أفرادا ومؤسسات، لأن تبعاته وإفرازاته الأمنية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية ستقع أيضا على الجميع.
بالطبع ستنطلق خلال الأيام القادمة جهات رسمية وأهلية للإعلان عن نشاطات صيفية في طول البلاد وعرضها. وسيكون عندنا، وكعادتنا في كل صيف، الأخذ والرد حولها، بخاصة حول مخيمات دعوية ودينية ستنتشر في البلاد، وهي نقاشات مطلوبة للخروج من شرنقة الصوت الواحد والفكر الواحد، ولكن لا يبدو أن كل نشاطات الصيف قادرة على استيعاب أوقات أبناء وبنات المجتمع.
لا تحتاج مجتمعاتنا العربية إلى برامج صيفية تساهم في تهيئة وبناء جيل من الإناث على شاكلة الإرهابيتين أم أسامة وأم هاجر الأزدي، حيث لعبتا دورا واضحا في تحريض بعض الفتيات والشباب للدخول في مسارات الإرهاب المظلمة.. ولا تحتاج مجتمعاتنا إلى برامج لتخريج شباب متشدد على شاكلة شاب المرحلة المتوسطة الذي قام بإحراق الخيمة الثقافية للنادي الأدبي بالجوف بسبب مشاركة امرأة في أمسية أدبية وهي الشاعرة حليمة مظفر. بكلمة أخرى: مجتمعاتنا بحاجة إلى برامج تسبح في الهواء الطلق وفضاء العلم والعمل لتتلقى أنفاسا نقية من آفة التشدد.
لذا ينبغي علينا جميعا تحمل أعباء مواجهة ومعالجة مشكلة الفراغ بصورة عامة، وفي إجازة الصيف بصورة خاصة، بل السعي لخلق أفكار ومبادرات لملء الفراغ بمشاريع علمية وعملية تنقل شبابنا وفتياتنا إلى حالة الجد وتحمل مسؤولياتهم الحياتية بالاعتماد على أنفسهم، والأهم تنقية و«فلترة» البرامج السنوية المعتمدة كي لا تتهيأ الظروف العامة والبيئة الاجتماعية لتكاثر جيل متشدد قادم من جيل متشدد قائم.
نعم هي مهمة صعبة ولكنها ممكنة إذا ما توفر الإيمان بأهميتها والإرادة لتنفيذها.