نشوة الإخوان بالوصول للحكم 2/2
أشرنا في المقال السابق إلى محاولة "الإخوان المسلمين" في بلاد الربيع العربي محاكاة تجربة الإخوان المسلمين في تركيا، وتطرقنا لبعض الفوارق التي تجعل المقارنة بينهما غير موضوعية، لأن إخوان تركيا يختلفون في قناعاتهم وممارساتهم حول قضايا وملفات كثيرة عقدية واجتماعية وسياسية مما جعل هامش المناورة والتحول عندهم كبيراً جداً، ويختلفون أيضاً في مستوى نضج التجربة العملية في إدارة الدولة وفي التحالفات الداخلية والخارجية. وأشرنا إلى وجود مؤشرات كثيرة على تحولات داخلية لدى إخوان بلدان الربيع العربي، وتسألنا إن كانت هذه التحولات تكتيكية مرتبكة بنشوة الوصول للحكم ويراد منها تجربة استلام دفة الحكم، أم أنها تحولات فعلية في الفكر والسياسة؟.
نعم، توجد مؤشرات تحول في أفكارهم ومواقفهم، منها تصريحات راشد الغنوشي بعد عودته إلى تونس من المنفى، حيث حاول طمأنة الداخل الليبرالي والعلماني بتصريحاته، وحاول تهدئة الخارج الغربي والعربي بمواقفه، ومما قاله في أوقات مختلفة: " "أن تطبيق الشريعة الإسلامية ليس من أولويات حزب النهضة الآن، وإنما ضمان عدم عودة الديكتاتورية مرة أخرى إلى تونس...وإنه يشترك في مفاوضات مع أحزاب علمانية تونسية لإدخالها في الوزارة القادمة...لا نية لحزبنا التقدم بقانون يتيح الزواج المتعدد، أو يلغي النظام المصرفي الغربي...وإنه إذا تولت النهضة السلطة في تونس فإنها لن تمنع الخمور أو النساء من ارتداء البكيني في الشواطئ... وأن الإسلام لا يجب أن يمنع الخمور ولكن لا يشجعها، مؤكدا أن الهدف الحقيقي هو تقليل الطلب عليها وليس وقفها، وكذلك النهج مع لباس البحر...".
أما الإخوان في مصر فقد أعاد الدكتور شاكر النابلسي قراءة مواقفهم في مقال له بعنوان "هل تستعيد مصر الخلافة الإسلامية" حيث أوضح أن عصام العريان لخص رؤية الإخوان بقوله: " الاتفاق على التعددية السياسية والموقف من المرأة أمور فيها اجتهادات جديدة من جانب الإخوان تتماشى مع المستجدات التي تعيشها الأمة الإسلامية الآن"، وقد تبنى إخوان مصر عناوين ومصطلحات غير معهودة في مواقفهم السابقة فيما يتعلق بـ (الديمقراطية، الانتخابات، التعددية، الحريات السياسة، النضال الدستوري، إقامة المجتمع المدني، إقامة الدولة المدنية وليست الدينية.. الخ). وهو ما جاء على لسان محمد السيد حبيب عضو مكتب الإرشاد في مصر الذي قدّم شعارات سياسية حداثية وليبرالية جديدة للإخوان، فيما يعتبر انتفاضة سياسية إخوانية مثيرة. وكان من أهم هذه الشعارات: " تدرج الخطوات من ثوابت منهجنا، والنضال الدستوري سبيلنا عبر القنوات القانونية" و" تبنّي الدعوة لإنهاء الخصومة بين الحكومات والشعوب من خلال الإصلاح السياسي وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني".
إلا أن هذه المؤشرات، التي تعد بمثابة انقلاب كبير في الفكر والموقف، لا يمكن تأكيد حقيقتها حتى تواجه واقع المسك بزمام الدولة وإدارتها وصياغة هوية النظام القادم في تونس أو مصر. المحك في التجربة، فهذا الحجم من التنازل المثير والغريب يوحي بوجود براغماتية غير طبيعية، لأنها، كما يبدو، تنبئ عن صدورها في لحظة مرتبكة ومندهشة بنشوة الوصول للحكم. ما يؤكد ذلك مواقف حزب النور السلفي المتشدد الذي أقدم على تصريحات بالغت في حجم التنازل تجاه قضايا كانت من الثوابت التي لا حياد عنها مثل الاعتراف بإسرائيل واحترام معاهدة كامب ديفد، ومثل التحول من اعتبار الديمقراطية كفر إلى الإيمان بالعمل الديمقراطي كما جاء على لسان بعض المرشحين السلفيين. الإخوان والسلفيون يمرون بمرحلة نشوة لا يمكن اعتماد ثباتهم على ما يصرحون به فيها، فالأمر بحاجة إلى زمن أطول لمعرفة حقيقة الثابت والمتغير لاسيما تحت قبة البرلمان عند مناقشة ملفات اجتماعية وسياسية والتصويت عليها.