من يستمع لهؤلاء؟
في 28/2/1424 هـ الموافق 30/4/2003 م، رفع 450 شخصية من الطائفة الشيعية عريضة أطلق عليها (شركاء في الوطن) إلى الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد آنذاك. كان بين الموقعين50 عالم دين، و 42 أكاديمياً، و31 كاتباً وصحافياً وشاعراً، و151 رجال أعمال، 24 سيدة.
العريضة الوثيقة كانت وطنية بامتياز، حيث أكد الموقعون عليها أن رؤيتهم تلك تستند " على وعي وطني عميق وشامل يعتبر معالجة الحالة الطائفية في بلادنا من أبرز معالم عملية الإصلاح والتطوير، وينظر إليها كمسئولية وطنية شاملة يشارك في معالجتها جميع أبناء الوطن". وكان يمكن أن تشكل مع وثيقة " رؤية لحاضر الوطن ومستقبله" خارطة طريق لعملية إصلاح وطنية شاملة.
وثيقة (شركاء في الوطن) أسست لخطاب وحدوي على مستوى الأمة والوطن، من خلال الدعوة إلى تبني الدولة لسياسات واضحة وبرامج عملية محددة تساهم في رفع التمييز الطائفي وتعمل على اندماج المكون الشيعي في كافة مؤسسات الدولة على أسس وطنية محددة، فكان من ضمن بنودها:
- اهتمام المسئولين بالتأكيد الصريح على المساواة بين المواطنين على اختلاف مناطقهم ومذاهبهم.
- تشكيل لجنة وطنية عاجلة ذات صلاحية بمشاركة عناصر مؤهلة من الشيعة للنظر في واقع التمييز الطائفي ومعالجته بتمثيل المواطنين الشيعة في المناصب العليا للبلاد كمجلس الوزراء، ووكلاء الوزارات، والتمثيل الدبلوماسي، والأجهزة العسكرية والأمنية، ورفع نسبة مشاركتهم في مجلس الشورى.
- تجريم وإدانة أي ممارسة للتمييز الطائفي قد تصدر من بعض المغرضين والمنتفعين في أي موقع، وسن القوانين اللازمة لذلك.
- وضع حد للتوجهات والممارسات التعصبية، بدءا من مناهج التعليم، ووسائل الإعلام، وما يصدر عن المؤسسات الدينية الرسمية.
- اعتماد سياسة وطنية تثقيفية تبشر بالتسامح، والاعتراف بالتعدد المذهبي القائم فعلا في البلاد، وتأكيد الاحترام لحقوق الإنسان، وكرامة المواطن وحريته الدينية والفكرية.
- إقرار إجراءات رادعة لتجريم وإدانة أي شكل من أشكال التحريض على الكراهية بين المواطنين، والإساءة لمذاهبهم الإسلامية المختلفة.
الآن وبعد مضي تسع سنوات على تقديم هذه العريضة، لا زالت هذه المطالب قائمة تنتظر من يترجمها على الأرض، ولا زال المواطنون الشيعة يتعرضون للتمييز، ولا زالت الكثير من الوسائل والمنابر الإعلامية تطعن وتشكك في ولائهم للوطن، فضلا عن التعرض لمذهبهم بشتى أنواع الإساءات، وكأنه مطلوب منهم أن يستمروا على هذا الحال إلى أمد غير منظور.
إن حل أي أزمة أو مشكلة أو قضية يبدأ بالاعتراف بها، ومن ثم التحرك لإيجاد مخرج أو حل أو علاج لها، أما التجاهل والإنكار والتأجيل والتدوير فهو ليس سوى قفز على الحقائق والمراهنة على عامل الزمن في حلحلتها أو وفاتها. وهذا ما لا يحدث أبدا، فالمشاكل والأزمات الاجتماعية والسياسية التي لا تعالج بشكل جدي لديها قدرة عالية على الإخصاب والتكاثر، بل وإنتاج أجيال جديدة أكثر تعقيدا منها.
لهذا فإننا في هذه المرحلة الحرجة نعيد التأكيد على ذات المطالب الوطنية المشروعة الرامية إلى تحقيق المواطنة الكاملة والعدالة الاجتماعية لجميع فئات المجتمع، والتي دعت إليها وثيقة " شركاء في الوطن" وغيرها.
كما نؤكد على ضرورة المبادرة إلى وضع خطة وطنية متكاملة تستطيع تحقيق الاندماج الفعلي لكافة المواطنين في بوتقة الوطن، وتقضي على مختلف أشكال التمييز المناطقي والطائفي والقبلي وغيرها.
لقد كشفت الأزمات الأخيرة ( ملتقى المثقفين بالرياض، قضية حمزة كشغري، المحتسبون في مهرجان الجنادرية، تداعيات أحداث القطيف ) وجود شروخ كثيرة في جسد الوطن، إذ باتت التصنيفات والقولبات سمة رئيسية في الخطاب الاجتماعي والإعلامي. فالمجتمع عند البعض مقسم بين ليبرالي وسلفي وشيعي وسني وقبيلي وخضيري وطرش بحر إلى غيرها من المصطلحات التي تريد فصل كل مكون عن غيره.
إن الوقت لا يعمل لصالح أحد، ولكنه يحترم الذين يقدرون قيمته، والذين يجيدون الاستماع لنبضاته التي تهمس بضرورة التقاط اللحظة الراهنة، أما العازفون على أوتار التسويف فسوف يصبحون خارج الزمن.