كعكة النجاح(م.جاسم إنموذجاً )
قليلٌ من الناس كالمهندس : جاسم آل قو أحمد ( رحمه الله ) يُدركون أن الأفراد المقربين منه أمّا أنهم يتسببون في نجاحه، وأمّا يهدمونه على ذاته، أو أنه يغرق في مياههم الراكدة، وربما لا تصدق ونحن في العقد الثاني من الألفية الثالثة أن هناك من لا يزال يعمل بمفرده متجاهلاً كافة مكونات بيئة العمل المحيطة به، بل وزاهداً في الإستعانة بالآخرين لئلا يكون لهم فضل عليه، أو يشعرونه بالقصور نتيجة لمساندتهم إليه في الإنجاز ، لا كما كان يفعل " رحمهُ الله" حتى آخر لحظة من حياته وهو يُصارع موجات الألم بالإعتراف بأهميّة الآخرين من حوله في تحقيق نجاحه الذي أنعم اللهُ به عليه بصورة أو بأخرى، وفي طليعتهم رفيقة دربه عقيلته المؤمنة الصابرة الأخت " أم أحمد " وفقها الله .
بعض الناس يصنعون أناساً من حولهم، ومع ذلك، فإنهم لا يفعلون ذلك على نحوٍ استراتيجي كما كان يحرص دائماً بفضلٍ الله وتوفيقه، إنما وفقاً لمتطلبات الظروف وضغط الحاجة. إننا بطبيعتنا نميل إلى إحاطة أنفسنا بالأشخاص الذين نحبهم وننسجم معهم، أو الأشخاص الذين نشعر معهم بالراحة، ونادراً ما يفكر البعض ملياً في تأثير الآخرين من حوله والمقربين منه على فاعليته وقدراته، وهذا يمكن مشاهدته بوضوح في محيط بعض الطلاب، واللاعبين والموظفين المتميزين، ورجال الأعمال ، والسّاسة، فهؤلاء ربما يدمِّرون أنفسهم ولا يستفيدون من امكانياتهم ومواهبهم بسبب نوع الأشخاص الذين يقضون أوقاتهم معهم ليلاً ونهاراً .
إنني من أشد المؤمنين بكيمياء الفريق، وإنّ النجاح لا يمكن لشخص أن يحققه بمفرده مهما كانت درجة ذكاءه مرتفعة وموهبته استثنائية، وحتى وإن تشدّق البعض بنجاحاته التي حققها فإنه بالتأكيد يغالط نفسه ويتسبب في فقدانه لإحترام الآخرين له إذا استمر على الإصرار في فرد عضلاته وإنكار أدوار الآخرين من حوله وتهميش جهودهم التي ساهمت ولو بجزء ضئيل في تحقيق نجاحه وسطوع نجمه، وهذا ما حرص المهندس " رحمه الله " على عدم الوقوع في شراكه بوعي تام وضمير يقظ ، وأريحيّة قلّ نظيرها في زمن تعصف ببعض أهله الأنانية المقيتة " حماكم الله " .
ربما ينتمي بعض الناس إلى دائرتك الداخلية دون إختيار منك، وذلك بسبب أهميتهم في حاضنتك المهنية أو الإجتماعية، وإذا كنت أنت وهم غير منسجمين ومتفاهمين معاً، فستكون تلك الحاضنة التي تجمعكم بأكملها في ورطة، فبدلاً من العمل سوياً من اجل إنجاز المهمة التي تم تكليفكم بها، فإنكم ستنزلقون حتماً إلى مستنقع الأنا وسيطرة الذات والمكائد بدلاً من الإلتفاف نحو الشعور بالنحن.
هناك نوعان من البشر يعيشان على الأرض اليوم، أقول نوعين فقط وليس أكثر، ليس الطيبين والأشرار، لأنه من المعروف جيداً أن الطيبين نصف أشرار، والأشرار نصف طيبين، لأن الإنسان مخلوق من " نطفة أمشاج " كما يقول الباري عزّ وجل، نوعا البشر الذين أعنيهم هم : هؤلاء الذين يرفعون، وأولئك الذين يخفضون، من هنا فإنه يتحتم عليك الإنتباه جيداّ لأن يكون أعضاء دائرتك الداخلية من الذين يرفعون. نعم يجب أن يكون الناس الذين من حولك أما مضيفين أو مضاعِفين، ينبغي أن يكون لديهم سجلٌ ثابت كأصول مفيدة ليس لكم كفريق عمل فحسب، إنما للحاضنة الأشمل بأكملها وفي مقدمتها المصلحة الإجتماعية .
والآن إن كنت تجد صعوبة في تثمين أهمية الناس الذين ضمن إطار دائرتك الداخلية، أو أنك لا تشعر بوجودهم وتأثيرهم في سلوكك وأدائك، بل تشعر بأنهم وبالٌ عليك، ومعوقاً ضخماً في طريق تحقيق أهدافك النبيلة، فإنك بحق لا تحظى بدائرة داخلية فعّالة، بل أنت ضحية لسوء اختيارك ونقص اعتماديتك، ومجاملتك الواسعة التي لن تجدي نفعاً، وعليك أن تبادر إلى ترميم مكونات دائرتك من خلال البحث المستمر عن أُناس يمكنك أن تتكامل معهم، ناصحين، شخصيين، مُخلصين. جميعهم يضيفون لك القيمة ويساعدونك على صنع أثرٍٍ أكبر مما كنت تستطيعه بمفردك، فهل أنت فاعل؟ أو أنك ستخشى أن يتقاسموا معك كعكة النجاح كما يفعل غيرك من المحرومين من الإستمتاع بلذة " النصر العام " الذي حقّقه " مهندسنا المرحوم " والذي تقرُّ به ذاكرة التأريخ من بعده بنكهة الوئام . تحيّاتي .