أغلقوا أندية الكراهية
الكل يجمع على أهمية الوفاق الإجتماعي كأساس للإستقرار الذي بالضرورة يوفر مناخاً مشجعاً للإقبال المنفتح على المشاركة الجماعية وإذابة الفوارق ، وإزالة الحواجز والموانع التي تحد من قدرة المرء على التواصل والتفاعل البناء والمنضبط مع مكونات النسيج الإجتماعي بشكل أو بآخر .
ومن الغريب أن يتبنى البعض ما يخالف الطبيعة الإنسانية ، والنواميس الإلهية من ضرورة التعاون والتكاتف للحفاظ على مصلحة البلاد والعباد ، بل ويدخل طوعاً في سباق محموم مع بعض الأقنية الإعلامية المختلفة التي تخصصت في بث السموم وإفساد الود ، وتعميق شعور الكراهية ، وإغتيال كل لحظة صفاء ونقاء في مهدها قبل أن تنمو وترعرع ، كما لا يتورع عن العمل ليل نهار من أجل تفخيخ العقول ، وتدمير جسور التسامح والتفاهم والتقارب .
وليت شعري لو أن هؤلاء يكلفون أنفسهم لمعرفة ما أكدته أحدث الأبحاث العلمية من أن مشاعر العداء والكراهية تلعب دورا فاعلاً ومؤثراً في تقصير العمر الافتراضي للإنسان وخاصة مرضى القلب ، وأشارت الأبحاث العلمية التي أجريت على أكثر من 1300 رجل وسيدة يعانون من مشكلات في القلب إلى أن الأشخاص ذوي الطبع العدائي تجاه المحيطين بهم تتضاعف لديهم احتمالات الموت خلال أربعة عشر عاماً .
ويرجع الباحثون هذه الظاهرة إلى أن مشاعر العداء والكراهية تعمل على رفع معدلات ضغط الدم وإثارة هرمون التوتر والقلق ( الإندرينالين ) للحد الذي يصبح معها الإنسان عرضة للأزمات القلبية ، وكانت الأبحاث السابقة قد ألقت الضوء على أن مشاعر الغضب ومالها من تداعيات نفسية قد تسهم في الإصابة بأمراض القلب حيث إنها تمثل أهم الأسباب التي تقف وراء ارتفاع الكوليسترول الذي يضعف القدرات الذهنية ، ويؤدي تراكمه على جدار الشرايين التأثير على كفاءة الذاكرة بالإضافة إلى انخفاض تدفق الدماء إلى المراكز الحيوية في المخ المسؤولة عن التذكر والتخاطب والتفكير .
إنني أعلم جيداً إن هناك من سيتساءل كيف لهذا الكاتب أن يطرح مثل هذا الموضوع والأمور كما يبدو تسير ( كالسمن على العسل ) والعلاقات الإجتماعية مستقرة وثابتة كالجبال الراسخة ، وإن أندية الكراهية لا وجود لها حيث إن المشهد العام لشبكة الإتصالات السسيولوجية تبدو فعالة وتؤدي مهامها المأمولة دون عوائق تكدر صفوها أو إنسدادات وحواجز تتسبب في إعاقة وصول إشاراتها للمستقبلين من جميع الإتجاهات ، وكافة الجهات الأصلية والفرعية .
وإنني إذ أتقبل بترحاب كبير هذا التساؤل المشروع فإنني أدعو أصحابه إلى إمعان النظر في ردود الأفعال تجاه أي حدث طفيف يجتاح الساحة الإجتماعية وكيف يؤدي هذا الحدث رغم هشاشته وضيق دائرة تأثيره إلى إنفلات الإنفعالات ، وظهور نوبة من الإختناقات القاتلة في قنوات التفاعل والإتصال الإجتماعية ليس على مستوى الكوادر التنفيذية فحسب ، بل وعلى مستوى قمة الهرم ورؤوس إتخاذ القرار ، الأمر الذي يؤدي حتماً إلى عودة التوتر ومسارعة كل جماعة لإستدعاء منظومة الأسلحة الخفيفة والثقيلة الدفاعية منها والهجومية - حتى الإحتياطي - للتصدي للطرف الآخر وإلحاق أشنع هزيمة به مهما كلف الأمر ، وبأي وسيلة حتى وإن كانت تستند للمذهب الميكافيلي . لا يهم !!
وهنا نسأل :
• ألا يدل ذلك بوضوح على أن أندية الكراهية والتباغض ما زالت تعمل بمنتهى طاقتها الإنتاجية ، وإن عدد الأعضاء المنتسبين إليها في إزدياد ؟
• ألا يؤشر ذلك على أننا عندما نبادر لإصلاح ذات البين نتسرع في الوصول إلى النتائج ( الشكلية ) القصيرة المدى ( كإستعجال البعض لجني الربح السريع في سوق الأسهم المتقلب !! ) الأمر الذي يدفعنا إلى تجنب عوامل الصراع وبحثها بشكل مستفيض ومتأني حتى ولو تطلب ذلك منا وقتاً وجهداً ، وهذا مُضر بالأهداف الإستراتيجية لإدارة الصراع كما يقول المفكر البحريني : محمد جابر الأنصاري .
• ألا ترون أننا غالباً ما نهتم بإزالة جبل الجليد ونتجاهل بركة الماء العميقة الراكدة في قعره والتي ربما نغرق فيها دون أن ندري ؟ يا رب سترك .
في الختام لكم المحبة والسلام ،،،