في الطَّقاق ...
قليل من يدرك أهمية مرحلة الطفولة في تشكيل الصورة العامة للإنسان وينظر إليها بأنها مهد الشخصية ، وكما يقرر علم نفس النمو بأن أهم مرحلة لتلقين الطفل المفاهيم والقيم العامة هي التي تمتد من لحظة الولاة حتى السنة الخامسة من عمره ، حيث إن ذهنية الطفل في هذه الفترة الزمنية تمثل الأرض العذراء التي يمكن الزراعة فيها دون تلوث أو خوف من هجوم ( الدودة الحمراء ) التي تنخر في جسد النخيل الباسقة وتحولها إلى هيكل أجوف لا حياة فيه البتة .
من هنا تأتي أهمية نمط الأسرة الذي يحيا الطفل في محيطه ويتعامل مع قوالب إدارته وتفكيره ومعطياته . فلا يمكن لطفل تربى في أحضان أبوين يؤمنان بالفرز الإجتماعي على أي أساس كان أن ينشئان طفلاً توافقياً ومنسجماً مع الآخرين و ميالاً للتعاون والشعور ( بالنحن ) ، كما لا ننتظر من طفل قد عاش بين أبوين تقوم علاقتهما الإجتماعية على الشك والظن والخداع والنظر الى الآخرين على أنهم ذئاب ، والحياة بأنها غابة للوحوش أن يتمتع بحسن النية ويلتمس الأعذار للآخرين ويحاول إيجاد المبررات لسلوكهم الذي لا يتوافق معه ويغفر لهم أخطاءهم .
وعلى العموم فإن أنماط الأسر في العالم العربي لا تخرج عن أربعة أشكال باتت مسيطرة على جميع العائلات وهي :
1- نمط أسرة ( غصبً عنك ) وهي : الأسرة المتسلطة
2- نمط أسرة ( على كيفك ) وهي : الأسرة المفوضة
3- نمط أسرة ( ما رأيك ) وهي : الأسرة المشاركة
4- نمط أسرة ( في الطقاق ) وهي : الأسرة المـهـملة
وبطبيعة الحال لست في حاجة لتبيان النمط الذي يجب أن يسود العالم العربي للننتج جيلاً متوافقاً مع ذاته ومحباً للخير والسلام ومؤثراً في الأحداث وليس خاضعاً لها . بل وفاعلاً في حركة النمو والتقدم ومؤسساً ( لمجتمع الفاعلية ) وليس للمجتمع الإتكالي أو الإستهلاكي ، الذي لا حول لديه ولا قوة ، بل خاضعاً لتجاذبات المؤثرين الفاعلين المحيطين به والذين لا يعرفون الرحمة به ولا بأمثاله العاجزين المستوردين ( القابعين في المحيط ، والمترفهين في منطقة الراحة ) .
هل تعلم عزيزي القارئ أهمية وتأثير هذه الأنماط على تشكيل شخصية الإنسان ، وإن معظم القصور في المهارات الشخصية سواء على مستوى التفكير أو التدبير أو التعبير تعود أساساً لمرحلة الطفولة . وتعتمد بشكل قاطع على الأسلوب التربوي الذي تعاطى معه في طفولته ، وإنه من الأهمية بمكان أن يقوم الإنسان الذي كان يعيش في حاضنة تربوية متسلطة ، أو مهملة ، أو مفوضة . بجهد كبير للتخلص من الرواسب السلبية التي تركتها أنماط الإدارة الوالدية السلبية تلك على شخصيته ، والتي تحولت بفعل التكرار والممارسة إلى إعتقاد راسخ ، أو عادات جامدة يصعب إذابتها والتخلص منها . وذلك من خلال القيام بالنقد الموضوعي للذات أو الإستعانة بالمختصين في تطوير الشخصية ، وإعادة هندسة الذات .
كم من شاب رأيناه يتمتع بالمظهر اللائق والوسيم ، أو فتاة قد وهبها الله نعمة الجمال الذي يخطف الأبصار ، ولكن ما أن تخوض تجربة مع أحدهما حتى تكتشف للوهلة الأولى مستوى التشويه والقصور في المهارات والقدرات الشخصية كإنعدام الثقة في النفس ، وسوء الظن ، والأنانية ، والإنحباس المشاعري ، وعدم القدرة على إتخاذ القرار ، والعجز التام للتفاعل مع فريق العمل ، والفشل في تكوين شبكة علاقات إجتماعية تفاعلية ناجحة ، أو القدرة على القيادة والتأثير ، وغيرها من المشاكل في أبعاد الشخصية الناجحة .
أكاد أجزم إن كل هذه الآفات المهددة للسلم الشخصي إنما تعود في معظمها إلى قصور في التنشئة الإجتماعية ، حتى ترى من حولك أناساً لم يستطيعوا أن يصنعوا صديقاً واحداً بجوارهم . بل على العكس تجدهم يملكون المهارة الفائقة في صناعة الأعداء والمنافسين السلبيين . هل ممكن أن تخبرني لماذا ؟؟
من المؤكد لو سألتهم فستجد لديهم الإجابة الدفاعية الجاهزة وذلك بقذف المشكلة على الآخرين وتحميلهم المسئولية لأنهم لم يتعودوا تحمل مسئولية ذاتهم ولو لمرة واحدة . والمصيبة الكبرى هي عندما يتبنى هؤلاء الناس تلك النماذج التربوية السلبية التي ورثوها عن الوالدين حينما يتم يحين موعد فطامهم الإجتماعي وينخرطون في البيئة الإجتماعية المفتوحة سواء كآباء ، أو زملاء عمل والطامة الأكبر عندما يكون أحدهم رئيساً أو مشرفاً فهنا ( حدِّث ولا حرج ) .
والآن ما هو رأيك في الإسلوب الذي تراه مناسباً لبناء مجتمع الإنجاز والفاعلية والذي يسعى إلى السيطرة على السوق والتأثير في الأحداث والمشاركة في صناعتها هل هو نمط : غصب عنك ، أو على كيفك ، أو ما رأيك ، أو في الطقاق ؟
ولكم مودتي ودعائي