حق الأخ
(وَأَمّا حَقُّ أَخِيكَ فَتَعْلَمَ أَنّهُ يَدُكَ الَّتِي تَبسُطُهَــــــا، وَظَهْرُكَ الَّذِي تَلْتَجِئُ إلَيـــــــــــهِ، وَعِزُّكَ الَّذِي تَعْتَمِدُ عَلَيهِ، وَقُوَّتُكَ الَّتِي تَصُولُ بهَـــا، فَلا تَتَّخِذْهُ سِلاحًا عـــَلَى مَــعــْصــِيـةِ اللَّهِ ولا عُدَّةً لِلظُّلْمِ بحَــــــــــقِّ اللَّهِ، ولا تَدَعْ نُصْرتَهُ عَلَى نفْسِــــــــهِ وَمَعُونتَه عَلَى عَدُوِّهِ وَالْحَوْلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ شَيَاطينهِ وتَأْديَة النَّصِيحَةِ إلَيهِ والإقبَال عَلَيْهِ فِي اللَّهِ فَــــــــــإنْ انقَادَ لِرَبهِ وَأَحْسَنَ الإجَابَةَ لَهُ وَإلاّ فَلْيَكُنِ اللهُ آثرَ عِنْدَكَ وَأَكْرَمَ عَلَيْكَ مِنْهُ.)
الأخ - شقيقا كان أو غير شقيق – هو عضد المرء وساعده. بل هو كما وصفه الإمام عليه السلام في هذا المقطع يده التي يبسطها للعطاء، وظهره الذي يلجأ إليه عند الشدائد والأزمات، وعزه الذي يعتمد عليه فلا ترهق وجهه ذلة، وقوته التي يدافع بها عدوه.
وقد وسع الإسلام مفهوم الأخوة ليشمل كل مؤمن ومؤمنة:﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)﴾ سورة الحجرات.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: " المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئا منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة".
وليس كل أخ أخا، فقد يكون الأخ هارونيا يشد عضد أخيه ويؤازره وينصره:﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)﴾ سورة طه.
وقد يكون قابيليا يحسد أخاه ويصفيه جسديا:﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30)﴾سورة المائدة.
وقد يؤاخي المرء أخا في الله فيكسب منه الهدى والرشاد في الدنيا، والشفاعة في الآخرة. وقد يؤاخي في الشيطان، بل الشيطان نفسه فيورده سبيل الهلاك والضلال، ويهديه إلى طريق جهنم وبئس المصير:﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ (202)﴾ سورة الأعراف.
والأخوة – نسبية كانت أم سببية – لها حقوق ينبغي مراعاتها والالتزام بها. وقد حدد الإمام علي بن الحسين عليهما السلام هنا الحدود التي يجب أن تؤطر هذه العلاقة الهامة، وهي حدود الله تعالى. فلا يجوز أبدا التعاون مع الأخ أو الاستعانة به على الإثم والعدوان، والتجاوز على حق الله أو التعدي على حقوق الآخرين. بل ينبغي أن يعين الأخ أخاه على عدوه في الله، وعلى نفسه الأمارة بالسوء، وعلى شياطين الإنس والجن، فيمنع كل هؤلاء من الوصول إلى أخيه والنيل منه، وبذلك يعينه على حفظ دينه وصيانته.
ومن حقوق الأخوة التي أكد عليها الشارع المقدس إخلاص النصيحة للأخ. ومما يؤسف له أن كثيرا من العلاقات تنقطع بمجرد تقديم النصيحة، إذ لا يتحمل النصيحة المخلصة إلا القليل، أما الكثير فيعشقون المجاملات التي لا تكشفهم أمام أنفسهم. بالطبع يحتاج من يقدم النصيحة إلى أسلوب جميل وطريقة محببة لإيصال رسالته، وأن يغلفها بالحب حتى يتقبلها الآخر. وفي نفس الوقت يحتاج من تُقدم له النصيحة إلى قلب منشرح مفتوح يتسع للنقد ويسعى له، فالأخ الناصح هو خير الإخوان، كما روي عن الإمام علي عليه السلام: خير الإخوان أنصحهم، وشرهم أغشهم. وفي رواية أخرى: خير إخوانك من كثر إغضابه لك في الحق. وفي ثالثة: خير الإخوان أقلهم مصانعة في النصيحة. والمصانعة تعني المهادنة والمجاملة.
وعندما تخلص النصيحة الأخوية، فلا تجد آذانا صاغية، ويقع الصدود والإعراض، فعليك أن لا تتأثر بذلك، فالله دائما وأبدا خير وأبقى من كل الصداقات العابرة والأُخُوات الطارئة التي تريد الانفلات من عقال الحق وضوابط الشرع.