حق الصاحب
وَأمـّا حَقُّ الصَّاحِب فَأَنْ تَصْحَبَهُ بالفَضلِ مَا وَجَدْتَ إلَيهِ سَبيلاً وإلا فَلا أَقَلَّ مِنَ الإنصَافِ، وَأَنْ تُكْرِمَهُ كَمَا يـُكْرِمُكَ، وَتـحْفَظَهُ كَمَا يـَحْفَظُكَ، ولا يَسْبقَكَ فِيمَــا بَينَكَ وبَينَهُ إلَى مـَكْرَمَةٍ، فَإنْ سَبَقَكَ كَافَـــأتَهُ. ولا تُقَصِّرَ بهِ عَمَّا يَسْتَحِقُّ مِنَ الْمَوَدَّةِ. تُلْزِمُ نفْسَكَ نصِيحَتَهُ وَحِيَاطَتَهُ وَمُعَاضَدتَهُ عَلَى طَاعَةِ رَبهِ وَمَعُونتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا لا يَهُمُّ بهِ مِنْ مَعْصِيةِ رَبهِ، ثُمَّ تَكُونُ [عَلَيْهِ] رَحْمَةً ولا تَكُونُ عَلَيهِ عَذَاباً. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
لأن الإنسان كائن اجتماعي فإنه لا يستغني عن الصحبة والصداقة، فالصديق كما قال الإمام علي أقرب الأقارب، وهو الذي غالبا ما يؤثر في سلوكك إما إيجابا فيرفعك إلى الفوز والنجاح، أو سلبا فيخفضك إلى الفشل والخسران؛ فالصاحب ساحب كما يقول المثل الشعبي.
لذا كان أمر الصداقة ذا شأن كبير في التوجيهات الدينية. يقول الإمام الصادق : لقد عظمت منزلة الصديق، حتى أهل النار ليستغيثون به ويدعون به في النار قبل القريب الحميم، قال الله مخبرا عنهم:﴿فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ . وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾.
تحدثت النصوص الدينية عن تعريف الصديق وحدود الصداقة وأهمية اختيار الصديق ومَن ينبغي مصادقته ومَن لا ينبغي، وما يؤثر في كسب المزيد من الأصدقاء أو خسارتهم، وعن ضرورة اختبار الصداقات وفحصها للتأكد من سلامتها وما تنطوي عليه قبل منحها كامل الثقة، وعن الحقوق المتبادلة بين الصديقين التي تكفل مراعاتها استمرار الصداقة الحقة وجني أفضل الثمار من حدائقها.
إن من المهم جدا بالنسبة لنا أن نكون على وعي بهذه الأمور، وأن نبث ثقافة الصداقة بين أبنائنا وبناتنا حتى لا يقعوا ضحية صداقات عقيمة تخرجهم من النور إلى الظلمات، أو تضيع أعمارهم في اللهو والسفاسف والتفاهات.
فقد حذرت الروايات من مصاحبة الأحمق والفاسق والكذاب والشرير وأهل البدع والقاطع لرحمه و(مَن ألهاك وأغراك)، ودعت إلى مصاحبة كرام الناس وأولي النهى والألباب والحكماء والعلماء الأتقياء وأهل الخير، وكل مَن تُشكل صداقته إضافة إيجابية للمرء أو زينة بتعبير الروايات.
وفي رواية عَنْ الإمام الصادق ( ع ) تضع الأسس والمعايير التي يتم من خلالها معرفة الصداقة الحقة من غيرها؛ قَالَ عليه السلام: "لَا تَكُونُ الصَّدَاقَةُ إِلَّا بِحُدُودِهَا، فَمَنْ كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ الْحُدُودُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهَا فَانْسبْهُ إِلَى الصَّدَاقَةِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهَا فَلَا تَنْسبْهُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الصَّدَاقَةِ. فَأَوَّلُهَا أَنْ تَكُونَ سَرِيرَتُهُ وَعَلَانِيَتُهُ لَكَ وَاحِدَةً.
وَالثَّانِي أَنْ يَرَى زَيْنَكَ زَيْنَهُ، وَشَيْنَكَ شَيْنَهُ. وَالثَّالِثَةُ أَنْ لَا تُغَيِّرَهُ عَلَيْكَ وِلَايَةٌ وَلَا مَالٌ.
وَالرَّابِعَةُ أَنْ لَا يَمْنَعَكَ شَيْئاً تَنَالُهُ مَقْدُرَتُهُ. وَالْخَامِسَةُ: ـ وَهِيَ تَجْمَعُ هَذِهِ الْخِصَالَ ـ أَنْ لَا يُسْلِمَكَ عِنْدَ النَّكَبَاتِ"
أما في هذا المقطع من رسالة الحقوق، فيحدد الإمام علي بن الحسين حق الصاحب في التالي:
- المعاملة على أساس الفضل كمستوى مطلوب في كل الأحوال، أو الإنصاف كحد أدنى في حال عدم التمكن من الفضل، فلا يُقبل أقل من المعاملة العادلة المنصفة.
- المعاملة الحسنة المتبادلة في الحضور والغياب؛ في الحضور الإكرام وفي الغياب الحفظ. فقد ورد عن الإمام علي أنه قال: لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته، وغيبته، ووفاته.
- المنافسة الدائمة فيما يوطد العلاقة بينهما ويقويها، ومكافأة الصاحب حين يفوز في مرحلة من مراحل السباق الأخوي الشريف.
- عدم التقصير في إظهار الحب والتعبير عنه.
- تقديم النصيحة الخالصة له.
- رعايته والمحافظة عليه.
- إعانته في سلوك طريق الطاعة والبر والتقوى.
- الشد من أزره وتقويته على مقاومة نفسه وجهادها. وفي رواية أخرى، ولعلها الأقرب، كانت العبارة هكذا: ومعونته على نفسه فيما يهم به من معصية ربه. أما عبارة الرواية في الخصال للشيخ الصدوق فهي: وتزجره عما يهم به من معصية.
- أن تكون عليه رحمة يستبشر بها ويتطلع إلى نزولها.
- أن لا تكون عليه عذابا يخاف وقوعه ويحذر نازلته.
تلك عشرة كاملة، نسأل الله التوفيق لأدائها مع أصدقائنا، حتى ننعم معا بصداقات لا تنقطع حتى بعد الموت:﴿الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (67)﴾ سورة الزخرف.