الطفل مدرسة
قال شاعر النيل(حافظ إبراهيم) :
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
وأقول أنا:
الطفل مدرسة إن أعددته أعددت جيلاً طيب الأخلاق
لست بشاعره لأكون في مقام المعارضة الشعرية لرائعة شاعر النيل (الأم مدرسة) ، وإنما مررت بتجربة جعلتني أؤمن إيماناً قطعياً بأن الطفل هو المدرسة الثانية بعد الأم في تعليم أسس الأخلاق ، ولا أكون مبالغة إن قلت بأن الأم نفسها تستطيع أن تتعلم من طفلها دروساً في الأخلاق وذلك بملاحظة سلوكه الفطري في تعاملاته مع الآخرين، وإليكم خلاصة تجربتي التي تثبت سلامة رأيي..
قبل أيام قررت أختي الذهاب مع زوجها لأداء العمرة الرجبية وتركت طفلها - الذي لم يكمل الحولين من عمره - أمانة عندي ، عاهدتها على صون الأمانة والمحافظة عليها، ليس هذا فقط وإنما وعدتها أيضا أن أعطيه دروساً تعلمتها من كتب التربية الأجنبية تغير من سلوكه المشاغب وتجعل منه طفلاً مهذباً ، هادئاً قلما نجد له نظيراً بين أطفال الجيل الحالي .
تمنت أختي أن يتحقق ما وعدتها به ورحلت دون أن تعلم بأن (محمد) - اسم طفلها- هو من سيبادر بإعطائي الدروس!
ففي أحد الأيام وبينما كان يلعب (محمد) مع أختي - ذات الثمانية أعوام - وقع شجار بينهما كالعادة على لعبة كانت تملكها عندما كانت في مثل عمره، قدم إلي وعيناه مغرورقتان بالدموع يشكو لي ويطلب مني العون فأخبرته بأني سأعطيه لعبة أفضل منها بشرط ألا يشركها اللعب مرة أخرى ...
بعد بضع دقائق من حادثة الشجار العنيفة التي وقعت بينهما ،أخذ مني لعبته وذهب إلى خالته الصغيرة بسرعة و عيناه ما تزالان محمرتين من أثر البكاء ، توقعتُ بأنه ذهب ليريها نصره وفوزه بحصوله على لعبة أفضل من لعبتها ، ولكن كانت المفاجأة لي حين رأيته يجلس بجانبها ليلعبا سوياً وكأن شيئاً لم يكن....
ابتسمت حينها للموقف فقد كان (التسامح ) الدرس الأخلاقي الأول الذي علمني إياه طفلي وأستاذي (محمد).....