لعنة النهاية
﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)﴾ القصص.
هذه الآيات الثلاث تأتي لتسدل الستار على النهاية التي تختتم بها حياة فرعون ومن معه ليكون عبرة لمن يعتبر وعظة لمن يتعظ، وقليل ما هم.
فبعد أن لخصت الآية التاسعة والثلاثون موقف فرعون وجنوده من الآيات البينات، وظنهم أن لا بعث ولا نشور: ﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ)﴾. تضعنا الآية الأربعون أمام مشهد الأخذ الإلهي وانتقام العزيز الجبار الذي تتحدث عن صفته الآية 102 من سورة هود: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾. يقول الزمخشري في تفسيره ( الكشاف ) معلقا على مشهد الأخذ المذكور في سورة القصص: ﴿فَأَخَذْنَـٰهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَـٰهُمْ فِي ٱلْيَمِّ﴾ من الكلام الفخم الذي دل به على عظمة شأنه وكبرياء سلطانه. شبههم استحقاراً لهم واستقلالاً لعددهم، وإن كانوا الكثر الكثير والجم الغفير، بحُصيات أخذهنّ آخذ في كفه فطرحهنّ في البحر.
ما أهولها من صورة، وما أهون الظالمين على الله تعالى. يغترون بقوتهم وجبروتهم وبإمهال الله لهم فيظنون أنهم قادرون على كل شيء وأنهم لا يُغلَبون، وإذا بهم حين نزول العذاب مجرد حُصَيات حقيرة تؤخذ بكف واحدة فتُطرح نبذا لا قيمة لها أبدا.
هكذا كانت نهايتهم في اليم منبوذين. اليم الذي هو مصدر الحياة يصبح مصدر الموت، بل مدخلا للنار أيضا كما جاء في قوم نوح : ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا (25)﴾
.
اليم الذي ألقي فيه موسى محفوفا بعناية الله، ينبذ فيه فرعون وجنوده ملعونين مبعدين عن رحمة الله. ولا تنتهي القصة عند هذا، فقد أصبحوا أنموذجا يحتذي بأفعالهم الشريرة كل ظالم بعدهم، فكانوا بذلك أئمة يقتدي بهم أمثالهم ليوصلوهم إلى النار: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾. القرآن يتحدث في سورة هود عن إمامة فرعون يوم القيامة لمتبعيه: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)﴾.
وهذا هو موقفهم يوم القيامة حيث لا ناصر لهم يدفع عنهم العذاب، فالأتباع لا ينفعونهم بشيء، بل هم وبال على وبال ولعنة على لعنة يتحملون من أوزارهم، ولا تنفعهم شفاعة الشافعين، فهم هناك من المقبوحين، تشوهت وجوههم بعد نضارتها، كما قال في سورة عبس: ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41)﴾
وقفات:
1- لا يوجد فاصل بين الآية التي تتحدث عن استكبار فرعون وجنوده في الأرض وبين الآية التي تتحدث عن هلاكهم رغم وجود فاصل زمني طويل، إذ تذكر الروايات أن بين دعوة موسى وهارون على فرعون بالهلاك وبين إجابة دعوتهما أربعين سنة. ولعل في ذلك إشارة إلى أن متاع الدنيا قليل والحياة قصيرة جدا.
2- الطواغيت يسقطون بشكل مهين تظهر فيه أحجامهم الحقيقية وتنكشف سوءاتهم بعد أن ظنهم الناس آلهة من دون الله.
3- الشيء الواحد قد يكون موردا للنجاة أو للهلاك، وكل ذلك بإرادة الله المطلقة.
4- يجب على الإنسان أن يتفكر دائما في عاقبة الظلم فلا يمارس ظلما ولا يدعم ظالما (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)
5- الأتباع يؤخذون مع قادتهم، ولا يقبل منهم اعتذار لكونهم مجرد جنود فقط، بل هم شركاء الظالم في ظلمه.
6- هناك دائما أئمة هدى وأئمة ضلال، وعلى المرء أن يختار إمامه فيقرر مصيره تبعا لذلك.
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: إن الأئمة في كتاب الله عز وجل إمامان قال الله تبارك وتعالى: " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا " لا بأمر الناس يقدمون أمر الله قبل أمرهم، وحكم الله قبل حكمهم، قال: " وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار " يقدمون أمرهم قبل أمر الله، وحكمهم قبل حكم الله، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله عز وجل.
7- قال صاحب الميزان: قوله تعالى: ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ بيان للازم ما وصفهم به في الآية السابقة فهم لكونهم أئمة يقتدي بهم من خلفهم في الكفر والمعاصي لا يزال يتبعهم ضلال الكفر والمعاصي من مقتديهم و متبعيهم وعليهم من الأوزار مثل ما للمتبعين فيتبعهم لعن مستمر باستمرار الكفر و المعاصي بعدهم.
فالآية في معنى قوله: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ ﴾: العنكبوت: 13 و قوله: ﴿وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ﴾: يس: 12 و تنكير اللعنة للدلالة على تفخيمها واستمرارها.
8- بالإضافة لذلك فإن الملائكة والمؤمنين يلعنونهم مدى الدهر، فهم مبعدون عن رحمة الله.
9- اللعن أمر مشروع في حق الظالمين. قال تعالى في سورة هود:﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)﴾. وفي سورة آل عمران: ﴿أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87)﴾