أوقفوا صناعة الكراهية
لماذا ابتدأت قصة مروة الشربيني باحتجاج على حجابها في إحدى الحدائق العامة لتنتهي بقتلها بأبشع طريقة في داخل قاعة المحكمة؟!
من الخطأ أن نتوقف عند سطح الحادثة دون محاولة النفاذ إلى عمقها لاكتشاف الأسباب التي أدت إليها ويمكن أن تؤدي في المستقبل إلى حادثة أخرى مشابهة لا سمح الله، كما أن من الخطأ أيضا أن ننفعل وقتيا فنحتج ونشجب ونندد ونستنكر إلى آخر قائمة ردود الألفاظ وليس الأفعال التي نتقنها في عالمنا العربي جيدا. فالمسألة أعمق من ذلك، إذ حين نفتش عن أسبابها الحقيقية سنجد أننا أمام ظاهرة لا تختص بمكان دون مكان ولا بدين دون دين، وأعني بها ظاهرة صناعة الكراهية، هذه الصناعة القذرة التي تسمم عقل الإنسان وتلوث نفسه وتعبث بفطرته وتحوله إلى كائن لا يستطيع تحمل الآخر المختلف، تبدأ أعراض الظاهرة بعدم قبول الرأي الآخر وتنتهي إلى عدم قبول وجود الآخر، وبين هذين الحدين من متلازمة الكراهية أعراض تتدرج في الشدة والعنف.
قلت: إن هذه الظاهرة لا تختص بمكان دون مكان ولا بدين دون دين، وإلا كيف نفسر حالة الاحتجاج الشديد التي تعرضت لها النائبة في البرلمان التركي مروة صفاء قواقجي لدى دخولها البرلمان مرتدية حجابها بعد انتخابها في العام 1999م. ألم يصرخ الديمقراطي اليساري أجويد من على منصة البرلمان: رجاء أوقفوا هذه المرأة عند حدها!
لنتركها تتحدث عن نفسها. تقول مروة في كتابها (ديمقراطية بلا حجاب): كنت أفكر في احتمال أن يكون بعض هؤلاء الذين يصرخون بعبارة " اخرجي، اخرجي" – من بين هذه المجموعة – من عائلات متدينة، وكنت أفكر كذلك في احتمال وجود محجبات من أقاربهم. ولاحظت نساء مسكينات يتغنين بحقوق الإنسان ويحاولن إظهار أنفسهن معاصرات، وفي المقابل لا نصيب لهن من مبدأ احترام أفكار الغير رغم أنهن درسن في الغرب.
إذن هناك تشابه بين قضية مروة قواقجي ومروة الشربيني؛ التشابه ليس في الأسماء فقط أو في الاحتجاج على الحجاب؛ التشابه الأعمق في رد الفعل المفرط في الحساسية والتوتر تجاه الآخر المختلف، وهو ناتج عما يمكن أن نسميه بمتلازمة الكراهية التي لا ترى في الآخر إلا عدوا لدودا لا مكان للحوار معه أو محاولة فهمه؛ بل تتم قراءته والحكم عليه من خلال منظومة فكرية أو ثقافية أو دينية لا ينتمي إليها.
وهكذا يمكننا من خلال فهم هذه المتلازمة وما يصاحبها من أعراض أن نكتشف التشابه بين من لا يتحمل حجاب امرأة ومن لا يتحمل مشاهدة ورقة بيضاء أمام أحد المصلين المختلفين معه في المذهب يستخدمها للسجود عليها، لأنه حسب مذهب المصلي لا يجوز السجود على الموكيت ويجوز على القرطاس. فكم شاهدنا أحدهم يقوم بسحب الورقة بطريقة مهينة من أمام المصلي وربما أطلق بعض العبارات العنفية العنصرية النابية.
ويمكننا أيضا أن نكتشف التشابه بين قاتل مروة الشربيني وأولئك الذين يمارسون القتل اليومي للأبرياء في العراق في المطاعم الشعبية والساحات العامة والأسواق وأماكن التجمعات ودور العبادة، كل ذلك ابتغاء وجه الله ومعانقة الحور العين كما يزعمون، مستفيدين من فتاوى التكفير والتفسيق والتبديع.
من هنا فإن احتجاجنا على قتل مروة الشربيني يجب أن ينطلق من مقاربة أوسع، مقاربة تستهدف تجريم كل ممارسة قولية أو فعلية، مادية أو معنوية يكون مصدرها متلازمة الكراهية، مقاربة ترفض قتل الأبرياء في العراق وغيره أيا كانت الحجج والتبريرات، مقاربة ترفض كل حالات التمييز الطائفي والمناطقي وغيرهما التي تحرم فئة من الناس من الحصول على حقوقهم في الوطن كشركاء كاملي الأهلية والشراكة؛ مقاربة لا ترى في الدين إلا الحب انطلاقا من قول الإمام محمد الباقر عليه السلام لزياد: ويحـك هل الدِّين إلاّ الحبّ ، ألا ترى قول الله عزّ وجلّ: إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم. أوَلا ترى قول الله عزّ وجلّ ، لمحمّد: حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم. وقال: يحبّون مَن هاجر إليهم. فالدِّين هو الحبّ ، والحبّ هو الدِّين"
عجيب أن يتوقف احتجاجنا عند حدود ألمانيا دون أن نبصر ممارسات الكراهية والعنف التي تحدث عندنا في بلادنا العربية والإسلامية أو نحرك لها ساكنا؛ فإذا كان القانون الألماني يجرم هذه الممارسات ويعتبرها تمييزا عنصريا يعاقب عليها فهل لدينا مثل ذلك؟!
إن الوفاء لدم مروة الشربيني يكون أفضل ما يكون حين نعمل جميعا على إيقاف صناعة الكراهية أينما كانت وتحت أي مسمى.