مدير خارج التنظيم
هل يستطيع كل موظف أن ينظر إلى نفسه بأنه قائداً دون أن تكون لديه سلطة تنظيمية؟
وهل من الممكن له أن يمارس هذا الدور بالرغم من حجم القيود التي تحد من إختصاصاته وسلطته الرمزية ؟
ثم هل له أن يجد تجاوباً من زملائه بالرغم من عدم حيازته للمكانة الإعتبارية؟
نعم من خلال تجربتي الوظيفية التي تجاوزت حتى يومنا هذا الستة وثلاثين عاماً أرى أنّ الفرصة مُتاحة أمام كل موظف مهما كان ترتيبه متواضعاً على السلّم الوظيفي أن يلعب دوراً مؤثراً وفاعلاً في بيئة العمل دون أن تكون له سلطة وظيفية تنظيمية على زملائه من خلال ثلاثة محاور :
المحور الأول : أن يقوم بتنظيم وشحذ ما لديه من معارف، وقدرات، ومهارات، التي من شأنها أن تساعده على إنجاز المهام بمفرده، وتمكنه من طباعة بصمته الشخصية على كل ما يتم إنجازه من خلاله منفرداً أو بالمشاركة مع زملائه الآخرين في العمل.
المحور الثاني : أن يفهم الموظف بوضوح أن الهدف الإستراتيجي الذي يسعى إليه هو إيجاد طريقة منظمة بصورة دقيقة لإنجاز المهام بمشاركة الآخرين، بعيداً عن تورُّم الذات.
المحور الثالث : أن يتقن الموظف بعض المهارات الشخصية، والأساليب القيادية، التي يستطيع من خلالها أن يسأل، ويعرض، ويفعل، كل ما من شأن أن يدفع الآخرين من حوله في بيئة العمل إلى إجادة العمل المشترك بالرغم من أنه عضو كأي عضو آخر في المجموعة ليس إلاّ .
إنني أعلمُ يقيناً كما تعلم أنت تماماً بأن مسألة التأثير في الآخرين عصيّةٌ على من أراد تحقيقها لمن كان في حوزته السلطة التي تخولها له وظيفته القيادية أو الإشرافية التي يشغلها، فكيف يستقيم الحال إذاً لموظفٍ تنفيذي بسيط لا حول لديه ولا قوة، حيث إن العادات السيئة والسلبية في العمل تنمو بصورة مضطردة مع مرور الوقت، بل وتتحول إلى كتلة جامدة ومقاوِمة ولا يمكن تغييرها بمجرد كلمة أو بطابور من الأمنيات، وقد أدرك الكثير من المدراء إن تغيير هذه العادات، والإرتقاء بمستوى الأداء والإنتاجية لا يمكن له أن يتحقق من خلال إعطاء الأوامر والتعليمات وحدها للموظفين، فكيف يتسنى ذلك لموظفٍ من هؤلاء المرؤوسين !!
يقول الإمام علي : ميدانكم الأول أنفسكم، فإن انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر، وإن خُذلتم فيها كنتم على غيرها أعجز، فجربوا الكفاح معها أولاً " وبناءً عليه فإنّ بإستطاعة كل موظف أن يلعب دوراً مؤثراً في بيئة العمل، ويُمثِّل قيادة جانبية فاعلة إذا ما آمن بقدراته، وقهر في الحق ذاته، وعمد إلى تأسيس شبكة من العلاقات الوظيفية القائمة على أساسٍ راسخ من الثقة المتبادلة، منفرداً فيها ببعض المهارات السلوكية، والإجرائية، تدفع الآخرين إلى الإعتراف به، والإلتفاف حوله كقائد طبيعي يدعم ويؤازر القيادة الرسمية من أجل تحقيق الأهداف.