الحج رسالة حب
إذا كان (الدين هو الحب، والحب هو الدين) كما ورد عن الإمام محمد بن علي الباقر فإن كل ما يقع تحت اسم الدين فهو حب. الصلاة حب، والصيام حب، والزكاة حب، والحج حب، وهكذا تتواصل السلسلة. بل إن كل تفصيلات هذه المفردات حب؛ فالإحرام حب، والتلبية حب، والطواف حب، والسعي حب، وجميع أعمال العمرة والحج حب. وإذا فُقد الحب منها، تحولت إلى طقوس منزوعة الروح عديمة التأثير. الحب هو الذي ينفخ في العبادة روحها، ويمنحها لونها وطعمها ورائحتها. الحب هو الذي يُصَير الصلاة قرة عين الرسول كما قال: "يا أبا ذر جعل اللَّه جل ثناؤه قرة عيني في الصلاة ، وحبب إلي الصلاة كما حبب إلى الجائع الطعام ، وإلى الظمآن الماء ، وإن الجائع إذا أكل شبع ، وإن الظمآن إذا شرب روى ، وأنا لا أشبع من الصلاة." الحب هو الذي يجعل الصوم " يورث الحكمة ، و الحكمة تورث المعرفة ، و المعرفة تورث اليقين . فإذا استيقن العبد لا يبالي أصبح بعسر أم يسر". الحب هو الذي يهب العطاء لذة الإيثار التي يتذوقها حقا أولئك الذين يتخلون عما يحبون، والذين قال الله عنهم في سورة الإنسان: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ﴾(9). الحب هو الذي يجعل البيت الحرام مثابة للناس وأمنا، " تهوي إليه ثمار الأفئدة من مفاوز قفار متصلة، وجزائر بحار منقطعة، ومهاوي فجاج عميقة " كما قال الإمام علي . ولو تأملنا دعوة نبي الله إبراهيم عليه السلام بعمق، لأدركنا أن الحج رسالة حب. إذ لم يقل: فاجعل الناس تأتي إليهم. بل قال: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِم)، فهناك من يحج بجسده فقط، فلا يتفاعل مع شعائر الحج وأعماله، بل يؤديها بشكل ميكانيكي دون التفات لفلسفتها وحكمتها، فلا تؤثر في نفسه، ولا تغير من واقعه شيئا. يعود بعد الحج كما كان قبل الحج. وهناك من يسبقه فؤاده إلى الحج شوقا للوفادة الربانية، وتعرضا للنفحات الملكوتية، مستوعبا قول الإمام الصادق : إذا أردت الحج فجرد قلبك لله تعالى من كل شاغل وحجاب ، وفوض أمورك إلى خالقها ، وتوكل عليه في جميع حركاتك وسكناتك ، وسلم لقضائه وحكمه وقدره ، ودع الدنيا والراحة والخلق. وهذا هو الذي يعود من الحج كما ولدته أمه، طاهرا نقيا من الذنوب والآثام، متهيئا لإحداث التغيير الجديد في حياته بكل حب. إن مما يؤسف له أن يتحول موسم الحج / الحب إلى مرتع خصب للخلافات والنزاعات والصراعات، بدلا من أن تسود فيه لغة التفاهم والتقارب والتعايش والإخاء. والأدهى من ذلك أن يُستغل لبث روح الفرقة والتنابز والتدابر، فلا يصبح الحج مظهر الوحدة والمحبة بين المسلمين. دمتم بحب .. جمعة مباركة .. أحبكم جميعا..
شاعر وأديب