إن أحببت فلا تكتم حبك و إن عشقت فاستوصف الدواء
إذا أحببت مؤمنا فلا تكتم حبك , فليس الدين إلا الحب , و القلب الفارغ من ذكر الله يكابد العشق و يتجرع لظاه , فالعشق داء و الحب دواء , الحب ربيب الحكمة و العشق فرع الشهوة, يأنس المحب بلقاء حبيبه و لا يشفى العاشق إلا بالنيل من معشوقه و قضاء وطره منه, لا تضيق المجالس بالمتحابين و يأبى العاشق إلا الخلوة بمعشوقه. الحب من أخلاق المؤمنين و العشق مرض الغافلين , الحب بذل و عطاء و تضحية وفداء و العشق أخذ و نيل , المحبون غيريون و العاشقون أنانيون .الحب اعتدال و مطابقة للحال و العشق ضلال و تجاوز للحد , الحب في الله إيمان , و العشق حجاب من الشهوات ساتر للعقل, الحب طاعة و العشق خطيئة. الحب حرارة موقظة و العشق مرارة مضلة. أين حب المتقين من عشق الضائعين؟
تعرفنا على الحب في كلامهم و عالي حديثهم عليهم السلام ,أما العشق فسمعناه في مقولات الناس بعنوان العشق الإلهي و عشق الله. صوفيون أصحاب طرق و حكماء سالكون و عرفاء ربانيون يستخدمون كلمة " العشق " باعتبارها درجة من الحب المفرط وسطروا بهذه الكلمة دفاترهم و زينوا بها أشعارهم. فأصبحت واقعاً لا مفر منه.
وعلى كل حال لم يسمح أحد – لغوي أو عارف – بإطلاق صفة العاشق على الذات المقدسة لأن ذلك لا يليق بالله تعالى , فالعشق هو الإفراط و تجاوز الحد في الحب و لا يجوز ذلك على الله سبحانه وتعالى. فكيف جاز استعمال " العشق " لمن استحوذ حب الله على قلبه و كيانه؟
في كلامهم صلوات الله عليهم اتجاهان, يستفاد من أحدهما صحة استخدام كلمة " العشق" في غير الأمور الشهوية الباطلة , و الاتجاه الآخر يدفع لاستبعاد هذا الكلمة عن ساحة القدس و الطهارة و الذات المقدسة.
فالحديث المروي في الكافي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: [أفضل الناس من عشق العبادة ] يؤيد من يستعمل العشق في الأمور الدينية الحقة. و يصب في ذات الاتجاه ما روي في كنز العمال [ فإذا جعلتُ بغيته و لذته في ذكري عشقني و عشقته]
في الاتجاه الآخر نرى ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام بعدما سئل عن العشق فقال [ قلوب خلت من ذكر الله فأذاقها الله حب غيره] , و عن أمير المؤمنين عليه السلام [ و من عشق شيئاً أعشى بصره و أمرض قلبه] و أيضا [ العشق جهد عارض صادف قلباً فارغاً]
لا يختلف عاقلان في معنى العشق المستخدم على ألسنة الصوفيين و الحكماء و العارفين و أهل السير و السلوك , فهو الحب الآخذ بمجامع القلب و الشاغل له عما سوى محبوبه و هو الله سبحانه وتعالى , و الكلام في سلامة نقل هذا اللفظ الدائر على ألسنة أهل الهوى و الغرام و الشهوات و حب الباطل إلى الاستخدام الديني على ألسنة العرفاء و الحكماء.
وبعد هذا لن تحملنا الغيرة على اللغة العربية على ممارسة دور الشرطي على لغة الناس ففي اللغة العربية فسحة و مرونة لاستقبال "الإزاحة " في المعاني كما يتسع صدرها للاشتقاقات و العبث بخلقة الكلمات. لن يحملنا الحرص على استخدام المفردات وفقا لما تعنيه إما بالدلالة المباشرة أو بالإيحاء و المعنى الظلالي على رفض الاستخدام المتداول لهذا الكلمة كالعشق الإلهي و عشاق الحسين و عاشقة الزهراء , بل الغرض هو الإلفات إلى الفرق بين الحب و العشق , و أن انجذابنا و ميلنا لأهل البيت و للمقدسات و أمور الدين هو حب طاهر , أما ميول الشهوات و الهوى فهي عشق.