تفاحة سلمان برتقالة حسن
كانا طفلين بريئين يلعبان سوياً مع أترابهما في الطرقات الضيقة الحميمة الملاصقة للبيوت العتيقة التي تنبعث منها إشعاعات الحب والألفة ، وتفوح من جنباتها رائحة المسك والعنبر . تلك البيوت المشرعة الأبواب ليل نهار يدخلها هؤلاء الأطفال بكل أمان واطمئنان متى إحتاجوا ( دون الحاجة لإدخال الرقم السري الخاص بكل منهم ) لإطفاء العطش بشربة ماء معتقة ، أو لسد الجوع بفردة تمر تنافس في طعمها الحلويات التي تباع في المحلات المتناثرة ( هذه الأيام ) في كل زاوية من شوارعنا المحتشمة !!
بناء على تعليمات أمُّهُ الصارمة كان مفروضاً على ( سلمان ) أن يأكل تفاحة واحدة كل يوم ، هل لإيمانها بأن تناول تفاحة كل يوم يقي من زيارة الطبيب كما يقول المثل الذي تعلمناه ونحن على مقاعد الدراسة One apple a day keep the doctor away ) ) أو لهدف آخر يشق على النظر القاصر أن يراه أو يدرك مغزاه . المهم إن الحبيب( سلمان ) كان لا يتسنى له ( ولو أراد ) أن يأكل التفاحة في الزقاق وسط أترابه ، هل لخوف أمه أن يتناوبوا معه على ( قضم التفاحة ) فتتأثر صحته لنقص المقدار الذي سينتابه منها ، أو لأن التفاحة عبارة عن كتلة متماسكة ليس من السهل تقسيمها ليتم تقاسمها بين سلمان ورفاقه أم كان لوالدة سلمان ( الحكيمة ) مغزى آخر لم يتم إكتشاف سره حتى الآن ( الله أعلم ) ؟
في مقابل هذا المظهر القهري الذي كان يخضع له ( سلمان ) أو لنقل إستسلم لضغوطه الفوقية بلا حول ولا قوة ، كان جاره الطفل ( حسن ) يحظى بأمٍ لا تعترف بالخصوصية البتة ( التي كانت أم سلمان تؤمن بها ) ولولا إيمانها العظيم الذي كان يتوج ويضيئ شعر رأسها الأبيض الوقور لظن كل من رآها بأنها ( يسارية متعصبة ) بل من ألدِّ أعداء الرأسمالية الرجعية والرشيدة على حد سواء . حيث كانت تدفع ( حسن ) لتناول برتقالته بين أقرانه الذين كانوا يتسارعون نحوه ببراءة منقطعة النظير ( بما فيهم سلمان ) ما أن يضع طرف قدمه على عتبة الطريق لينال كل منهم نصيبه بسرور وارتياح من ( تلك البرتقالة المبروكة ) وتحت نظر وإبتسامة ( أم حسن ) في أحيان كثيرة ليطفئ العطش اللعين الناتج عن اللعب واللهو الذي لا يتوقف منذ الصباح الباكر حتى المغيب .
اليوم كبر الطفلان البريئان ، وشقَّ كل واحد منهما طريقه في الحياة ، وأصبحا موظفين ، وأرباب أسر ، وأعضاء في المجتمع ، ولست أدري إلى أين أخذت ( تلك التفاحة الأنانية سلمان ) في سلوكه مع من حوله ، وهل أصبح ( رأسمالياً محترفاً ) كما إنني لا أعلم إن كان ( حسن ) قد تحول بفضل ( برتقالته السخية المبروكة ) إلى ( قائدٍ إجتماعي أو وظيفي يُشار له بالبنان ) أو عضواً في أحد اللجان الخيرية . ربما أنتم بفطنتكم المعهودة من يستطيع رسم الصورة الحالية التي شبَّ عليها كل من ( حسن ، وسلمان ) ولكم جزيل الشكر والتقدير والإمتنان .