خطيئة التقمص الوظيفي
بما أن مصطلح التقمص يخضع إلى الكثير من المقاربات وجب توضيح معناه من منطلق دلالته في علم النفس و حدود استخداماته في مجال التحليل النفسي، وأحسن تعريف – في رأيي المتواضع - يمكن تقديمه في هذا السياق هو ذلك الذي وضعه كل من " لابلانش ، وبونتاليس " في معجم مصطلحات التحليل النفسي، فعرف التقمص على أنه : ( آلية نفسية بواسطتها يقوم الشخص بتماهي جانب أو خاصية أو صفات من الآخر، و يحدث نوع من التحول الكلي أو الجزئي على مستوى نموذجه الشخصي، والشخصية بالتالي تتكون و تتمايز بفضل سلسلة من التقمصات ).
والتقمص حسب " سيغموند فرويد " هي : ( العملية التي بفضلها تتشكل شخصية الفرد و تتكون، و يؤكد فرويد على أن التقمص قد يدل على خاصية في الشخصية لكلٍ على الشخصية ككل، من منطلق إمكانية توفر مجموعة متعددة من التقمصات في الشخصية الواحدة ).
والتقمص " يحدث بواسطة تأثر الأنا بأنا آخر خاص " فيحدث نوع من الإنتقال للصفات و المميزات الشخصية من فرد إلى آخر، كنوع من التقليد لكن بصفة أقوى منه بحيث يدوم و يرسَخ في الشخصية، وبه يتبنى الفرد توجهات و مميزات شخصية جديدة.
وبذلك يكون التقمُّص من جهة وسيلة لبناء الشخصية، ومن جهة أخرى تكملة لبناء سابق في حالة ما إذا حدث إنتقال جزئي أو تقمص نسبي في الماضي من فرد لآخر.
وبناءً عليه فإنّ التقمص يحتاج إلى مهارة كبيرة حتى لا تبدو الصفات والمميزات التي تم إختيارها لتكون عنواناً للتقمص " زائفة ومُبتذلة " وتدعو الآخرين إلى الإزدراء، والسخرية، والإستهتار، والإنكار، بدلاً من التصديق والإقتناع بها كجزءٍ من شخصية المتقمص ذاته.
والعيب – يا أعزائي - ليس في عملية التقمص ذاتها لأنها وسيلة فاعلة من وسائل التعلُّم وتطوير الذات، حالها كحال قنوات التعلم الأخرى كالتقليد مثلاً، وكما جاء في القول المأثور " إنما العلمُ بالتعلُّم، والحلمُ بالتحلّم " ولكن أن يتحول التقمص إلى حالة من التمثيل المفضوح، أو أن تكون الصفات والمميزات التي تم إختيارها للتماهي ليست متطابقة " جينياً " مع طبيعة التكوين الشخصي لمن قام بعملية التقمص فتلك خطيئة كُبرى في تطوير الذات وإعادة نمذجة الشخصية.
وبناءً عليه : من الأفضل أن يكون التقمص مناسباً تماماً مع طبيعة الشخصية، أو أن يكون هناك تقارباً بين شخصية المتقمص، والشخصية التي قام بإختيارها لتشكل رافداً للصفات والمميزات المرغوب إكتسابها، ليس من الناحية العلمية، أو المهنيّة فحسب، بل حتى من الناحية الإجتماعية، والتكوين النفسي والجسدي، وطبيعة العلاقة بالبيئة التي ستتفاعل مع الصفات المكتسبة رفضاً ، أو قبولاً.
نعم أيها الأحبة كم حولكم من الشخصيات التي بالغت في الأخذ بأسباب التقمص حتى باتت منفِّرة لكم منها بعد أن كانت جاذبة لطبيعتكم الإنسانية، لأنكم لمستم منها القيام ببناء حواجز فولاذية بينها وبينكم، والعمل على تفعيل " قانون المسافة " في علاقتها بكم حتى شعرتم أنكم تحوّلتم إلى غرباء في حضرتها !! ونظراً لأنكم تحترمون أنفسكم قمتم في المقابل بتفعيل " سياسة التجنُّب " حتى لا تتحوّلون إلى متسولين عاطفياً عند أعتاب باب منصبها الجديد الذي سترحلُ عنه يوماً ما، كما رحل من هُمْ قبلها " من الباب الخلفي " مرغمين غير راغبين، بعد أن ظنوا أنهم من المخلّدين في مناصبهم وإن شاخوا !!