املئي خزان حبه (2)
عندما تتزوج المرأة عن قناعة، فإن رغبتها في الاحتفاظ بزوجها طيلة الحياة لا تعادلها رغبة، خصوصا إذا أثبت أنه أهل لحبها ومودتها. وبالتالي فإن من أقسى الأمور عليها أن يفكر بأخرى أو يتحدث عن أبغض الحلال عند الله وهو الطلاق. ساعتها ستشعر بانكسار عميق، وستصاب بجرح غائر جدا ربما يصعب شفاؤه.
كل امرأة ترغب أن تتربع على عرش قلب زوجها، ولكن الرغبة وحدها لا تكفي للوصول لذلك. إذ لا بد لها من دعم الرغبة بسلوكيات منطلقة من فهم متكامل لشخصية الرجل ونفسيته وما يؤثر فيه إيجابا أو سلبا؛ وفهم النفسيات أمر يحتاج لوقت طويل وصبر جميل ورؤية بعيدة المدى.
من الأخطاء الشائعة في العلاقة الزوجية أن يريد كل واحد من الزوجين من شريكه أن يكون نسخة مطابقة له في رغباته واهتماماته وطريقة تفكيره؛ مما ينتج تباعدا بين الاثنين، ويتسبب في خصومات دائمة. إن ما يجب أن نفهمه أولا أن لكل واحد من الزوجين شخصيته المستقلة ذات الخصائص المختلفة عن الآخر، فإذا استوعبنا هذا، ونظرنا للاختلاف على أنه تنوع طبيعي وتكامل وظيفي، سيصبح التفاهم سيد الموقف، وسيحاول كل واحد الاقتراب من نصفه الآخر.
ولأن حديثنا عن خزان الرجل، فإن من أول ما يحتاج الرجل من المرأة الدعم والمساندة في إنجاز مهمته. فالرجل يسعده الإنجاز كثيرا، وكلما استطاع أن يحقق ذاته، كلما امتلأ خزان حبه. ومن هنا فإن من أكثر الأشياء التي تجعل المرأة قريبة من قلب الرجل هو أن توفر له البيئة الخصبة للإنجاز، من خلال راحة البال والهدوء والاهتمام بأولوياته، وتشجيعه على المضي قدما في طريق تحقيق أهدافه، والإقلال من التذمر والتشكي والعتاب، والحرص على المظهر الحسن دائما، وعلى إسعاده بشتى الطرق والوسائل. وقد اختصر الحديث الشريف ذلك بقوله : إذا نظر إليها سرَّته. وكما عبر القرآن الكريم في قوله تعالى ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْها﴾، فكلما استطاعت الزوجة أن تكون السكن الذي يدخل الاستقرار والسكينة في قلب الزوج، وتكون الملجأ له من شقاء خارج البيت ومعاناته، كلما هيمنت على عرش قلبه.
إن لخدمة الزوج قيمة كبرى في روايات أهل البيت عليهم السلام. فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ): "سألت أم سلمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن فضل النساء في خدمة أزواجهن، فقال : أيما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئا من موضع إلى موضع تريد به صلاحا إلا نظر الله إليها ، ومن نظر الله إليه لم يعذبه". وعن الإمام الباقر : "أيما امرأة خدمت زوجها سبعة أيام أغلق الله عنها سبعة أبواب النار وفتح لها ثمانية أبواب الجنة تدخل من أيها شاءت". وفي رواية أخرى له عليه السلام يتحدث عن شيء صغير ذي أثر كبير، فيقول: ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلا كان خيرا لها من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها.
يريد الرجل أن يشعر داخل البيت بأنه رب البيت فعلا، لذا فإن المرأة الذكية هي التي تعامل زوجها وكأنه السيد المطاع، فلا تشاكسه، ففي ذلك سعادته. وعندما تحدث القرآن الكريم عن المرأة الصالحة أشار إلى صفة الطاعة وعبر عنها بالقنوت: ﴿فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ﴾، والقنوت هو ليس مطلق الطاعة، بل هو الطاعة عن إرادة ورغبة ومحبة. وجاءت هذه الصفة في الرواية الشريفة في قوله : وإذا أمرها أطاعته.
مما يملأ خزان الرجل أيضا إخلاص المرأة له. والإخلاص يعني عند الرجل وقوفها بجانبه في كل ظرف، وبخاصة في أوقات المحنة والشدة، فلا تتخلى عنه أو تتغير مشاعرها تجاهه؛ كما يعني صيانة نفسها وحفظ ماله وعياله في غيبته، كما قال تعالى: ﴿حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ﴾ وفي الرواية: (وإذا غاب عنها حفظته).
أخيرا وكما هو معلوم، فإن الإشباع العاطفي والغريزي ضروري لتعبئة خزان حب الرجل، وعلى المرأة أن تهتم به اهتماما كبيرا، من خلال قيامها بتهيئة المقدمات المناسبة لأداء هذا الحق الشرعي في جو تسوده المحبة والوئام.
الحديث طويل والأساليب كثيرة ومتنوعة، لكننا وضعنا هنا الخطوط العريضة، أما التفصيل فنتركه للمرأة لأنها بطبيعتها تحب التفاصيل وتفاصيل التفاصيل وتجيد الحديث فيها أيما إجادة.
دمتم بحب .. جمعة مباركة .. أحبكم جميعا.