التشدد والعنف يقودان للإرهاب
مشتركات وروابط غير خفية تجمع بين تلك المفردات الثلاث، ولن يكون أقلها اشتراك الموسومين بها في صفات فردية، ترتقي أحيانا لتكون عامة عند بعض الجماعات، كالغلظة في القلب، والقسوة في التصرفات، وتضخم الأنا الفردية والجماعية، والحنق، بل الكراهية للغير، والعناد السمج في العمل على تهميش كل مغاير، حتى لو كان المغاير يحمل الهوية ذاتها الجامعة والأعم كالوطن والدين. ولا تقتصر هذه الصورة على مجتمع دون آخر، إنما هي مرافقة دائما لكل مجتمع يتعرض لصراعات منفلتة بين أطيافه المختلفة، أو يعيش تنافسا فجا بين مكوناته المتعددة.
لا فرق عندي في النتائج بين ما قام به الأب الذي قتل أطفاله الثلاثة في الطائف «سهام 6 سنوات، رائد 5 سنوات، لميس 5 سنوات»، وما قام به المتشدد الألماني عندما قتل الشابة المصرية الصيدلانية المحجبة «مروة الشربيني، 25 سنة»، بل عندي لا فرق في النتائج بينها وبين الجرائم الإرهابية التي يسقط ضحاياها كل يوم في العراق وأفغانستان. العنوان الجامع بينها «القتل» فتارة بعنوان «العنف الأسري» وتارة بعنوان «التشدد» وأخرى بعنوان «الإرهاب».
يشاهد المتصفح لتاريخ ما قبل الإسلام كيف أفضت الصراعات بين الكنائس المسيحية إلى حروب متتالية، ولم تتوقف دماء وأشلاء الاغتيالات حتى بعد سقوط روما عام 476م. حينها كثرت حالات العنف الاجتماعي بموازاة العنف السياسي، ومن خلف جل ما جرى كانت هناك جبال من التشدد الفكري والديني والطائفي عند كل فئة وطيف، حيث يجد المتابع الصور ذاتها التي تصدر عن المتشددين ضد المرأة والحداثة والانفتاح والمساواة اليوم...ومن أراد المزيد من الاطلاع عليه قراءة رواية «عزازيل» للكاتب المصري يوسف زيدان.
ومن تلك الروابط بين مفردات التشدد الديني والعنف الأسري والاجتماعي والعمل الإرهابي أن بعضها يصب في جيب بعض مما يجعل التحول بين طبقاتها أمرا واردا. العنف الأسري قد يمهد للعنف الجنائي والعنف الاجتماعي، وبالتالي قد تتحول الجماعات إلى دورات من العنف والعنف المضاد، ومن ثم لا يبعد أن تتلقف بعض الفئات السياسية لتلك الدورات وتحتضن إفرازاتها وتحولها إلى أداة في العمل السياسي كإرهاب أو ما أشبه. وما يجري في الساحة الموريتانية يفيدنا كشاهد حي.
ومن الروابط بينها: أن بعضها ينتج عن بعض. هنا أمامنا الساحة الفلسطينية كنموذج معاكس إذ ساهم العنف السياسي المستمر، والإرهاب الإسرائيلي المتتابع إلى تزايد العنف الاجتماعي والأسري والجنائي في أوساط الفلسطينيين كما أدلت به دراسة فلسطينية مؤخرا.
ومن الروابط بينها: أن من يرضى بأحدها، أو يقبل بدرجة منها، كفرد أو جماعة، يصبح بالتالي مستعدا ومهيأ، نفسيا وعقليا واجتماعيا، لتقبل الدرجات الأخرى. والعراق نموذجا ماثلا أمامنا، فمستوى العنف والتشدد والإرهاب ليس وليد اليوم، بل هو نتاج لتراكم السنوات السابقة من ممارسات عنف سياسي حاد ضد كل المخالفين للنظام العراقي السابق، وزاد مع الاصطفافات الاجتماعية والقبلية والطائفية خلال السنوات الأخيرة.
التشدد الفكري يجر تشددا فكريا مقابلا في المجتمع. والعنف الأسري يجر عنفا مقابلا في الأسرة. والإرهاب الفكري والدموي يجر عنفا اجتماعيا في المقابل. وهي دوامة لا تتوقف إلا بدق نواقيس الخطر مع بزوغ أول إشارة من أي نوع صدرت، سواء كانت تشددا أو عنفا أو إرهابا. لذا ومع تزايد مواقف التشدد تزايد العنف الأسري الذي لا يخلو إعلامنا اليومي منها، علينا الانتباه، لأن التشدد والعنف يقودان للإرهاب. والله من وراء القصد.