أحبوا أنفسكم بصدق (2)
عندما تنسى نفسك لا يبقى لكل ما تذكر قيمة، لأنك ستخسر حينها كل شيء. نسيان النفس يمر أولا عبر عدم معرفتها المعرفة الحقة، ومن ثم عدم معرفة ما يصلحها وما يفسدها، وما يحييها وما يميتها. وهو ما يؤدي إلى بيعها بأبخس الأثمان بسبب الجهل المركب بقيمتها الحقيقية، وإلى إهلاكها من حيث يريد المرء بقاءها.
ولذا فقد اهتمت الروايات بهذا الموضوع الخطير اهتماما بالغا، وأكدت عليه تأكيدا شديدا، وبينت أهميته ومدخليته في سعادة الإنسان وشقائه. ونذكر هنا طوائف منها مستفيدين من كتاب (ميزان الحكمة):
- عن الإمام علي : أفضل المعرفة معرفة الإنسان نفسه.
- وعنه أيضا: "المعرفة بالنفس أنفع المعرفتين". والمقصود بالمعرفة الثانية معرفة الكون أو خارج النفس أو ما تسمى بالمعرفة الآفاقية في مقابل المعرفة الأنفسية، استنادا إلى قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾. يقول صاحب تفسير الميزان: وكون السير الأنفسي أنفع من السير الآفاقي لعله لكون المعرفة النفسانية لا تنفك عادة من إصلاح أوصافها وأعمالها، بخلاف المعرفة الآفاقية.
- وفي وصية الإمام الباقر لجابر الجعفي: لا معرفة كمعرفتك بنفسك.
- عن الإمام الرضا : أفضل العقل معرفة الإنسان نفسه.
- عن الإمام علي : كفى بالمرء جهلا أن يجهل نفسه.
- وعنه أيضا: لا تجهل نفسك، فإن الجاهل معرفة نفسه جاهل بكل شيء.
- وعنه : من لم يعرف نفسه بعد عن سبيل النجاة، وخبط في الضلال والجهالات.
- وعنه : من شغل نفسه بغير نفسه تحير في الظلمات، وارتبك في الهلكات.
- دخل على رسول الله ( ص) رجل اسمه مجاشع، فقال : يا رسول الله، كيف الطريق إلى معرفة الحق؟ فقال ( ص) : معرفة النفس.
- وعنه : من عرف نفسه فقد عرف ربه.
- وعن الإمام علي : من عرف نفسه فهو لغيره أعرف.
- وعنه : من عرف نفسه جاهدها، ومن جهل نفسه أهملها.
- وعنه : من عرف نفسه فقد انتهى إلى غاية كل معرفة وعلم.
- أكثر الناس معرفة لنفسه أخوفهم لربه.
- وفي دعاء الإمام زين العابدين : واجعلنا من الذين عرفوا أنفسهم، وأيقنوا بمستقرهم، فكانت أعمارهم في طاعتك تفنى.
- ينبغي لمن عرف نفسه أن يلزم القناعة والعفة.
- ينبغي لمن عرف نفسه أن لا يفارقه الحزن والحذر.
- ينبغي لمن عرف نفسه أن لا يفارقه الحذر والندم ، خوفا أن تزل به القدم.
- ينبغي لمن علم شرف نفسه أن ينزهها عن دناءة الدنيا.
وبرغم كل هذه الأهمية التي تحظى بها معرفة النفس، فإن اهتمام الكثيرين بأنفسهم وسبر أغوارها، ومعرفة ما لها وما عليها، وما يزينها وما يشينها، وما يرفعها وما يخفضها، لا يمثل شيئا بالقياس إلى الاهتمام بأبدانهم والعناية بها وبمظهرها. فكم هي نسبة مخصصات ذواتنا من الوقت والجهد والمال قياسا لمخصصات أبداننا؟! كم كتابا نقرأ عن النفس وشؤونها وأحوالها؟! ماذا نعرف عن صحتها وعافيتها وعللها وأسقامها؟! ما عمق معارفنا المتعلقة بتزكيتها وتدسيتها؟! وهي من أهم المعارف التي يتحدد مصيرنا بناء على موقفنا العملي منها، كما قال تعالى في سورة الشمس﴿وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (10).﴾
للأسف فإننا غالبا ما نكون مشغولين بأي شيء سوى أنفسنا، ونحن لا ندري بذلك، وقد نكتشف – لا سمح الله - بعد انقضاء المدة وارتفاع الحجاب أننا غفلنا عن أقرب الأشياء لنا، والتي وصانا عليها القرآن توصية لازمة حين قال تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾.
نسأل الله أن ينبهنا من نومة الغافلين، وأن يرزقنا حب أنفسنا بصدق ومعرفتها بحق.
للحديث بقية.
دمتم بحب .. جمعة مباركة .. أحبكم جميعا.