لدين الحب أنتمي
تعودتُ في كل جمعة أن أكتب مقالا في الحب. وربما يأتي يوم تنفد فيه ذخيرتي فأتوقف عن مواصلة السير في مشروع مقالات الحب، لكنني بإذن الله وتوفيقه لن أتوقف عن ممارسة سلوك الحب لأنني أعتقد جازما أن الدين الذي أنتمي إليه هو دين يحرض على الحب، بعكس الصورة الذهنية المرتسمة في أذهان الكثيرين ممن يجهلون حقيقة الدين الإسلامي، ويحكمون عليه من خلال بعض السلوكيات والأفعال المشينة التي يرتكبها بعض المنتمين لهذا الدين باسم الدين.
بالطبع نحن لا نستطيع بشكل عام أن نوجه اللوم للآخرين في نظرتهم السلبية للدين الإسلامي، وأنه دين العنف والكراهية، فهم في الغالب لا يستطيعون التفريق بين الإسلام في صورته النقية الطاهرة وبين المسلمين، خصوصا وأن المصيبة لم تعد محصورة في أفراد المسلمين العاديين، إذ أصبح فالخطاب التحريضي على القتل والعنف سيد المشهد، وصار التنظير والتأصيل له دأب طائفة من المنتمين للعلم الشرعي مما يضفي عليه مسحة دينية، ويجعل ممارسته أمرا محمودا بل واجبا شرعيا مقدسا.
لذا فقد أصبح الكاتب عن دين الحب غريبا كمن يغرد خارج السرب في زمن الاستقطاب الطائفي والشحن المذهبي واللغة المتوترة المتشنجة. ومع كل ذلك سأبقى أكتب عن الدين الحب إلا أن يشاء الله، (وهل الدين إلا الحب؟!). هذه العبارة (وهل الدين إلا الحب) قالها الإمام محمد بن علي الباقر وهو الخبير بالدين العارف بماهيته وحدِّه التام تمام المعرفة. من هنا فإن كل دين منزوع الحب هو ليس من الدين في شيء.
دين الحب الذي أنتمي إليه هو الدين الذي يقول قرآنه لنبيه : ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾، فهو دين الرحمة، ونبيه نبي الرحمة للعالمين جميعا، وليس لطائفة خاصة.
دين الحب الذي أنتمي إليه هو الذي يجعل من كرامة الإنسان أي إنسان قيمة عليا وحقا طبيعيا مولودا معه. (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ).
دين الحب الذي أنتمي إليه هو دين القلوب الرقيقة الرحيمة. ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.
دين الحب الذي أنتمي إليه هو دين الله الذي شملت رحمته البر والفاجر، بل الكون كله. ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾.
دين الحب الذي أنتمي إليه هو الذي رفع مكانة الإنسان حتى أوصله لمرتبة خلافة الله في أرضه. وهل يكون خليفة حقا إلا حين يسير في عباد الله كما يريد الله، وليس وفق أهوائه وشهواته؟! فالله تعالى مثلا لا يظلم الناس شيئا ولا يريد ظلما للعالمين، وخليفته ينبغي أن يسعى ليجسد ذلك على وجه الأرض.
دين الحب الذي أنتمي إليه هو دين العفو والتسامح، والذي أصدر نبيه الكريم عفوا عاما عن جميع أعدائه حين دخل مكة فاتحا منتصرا، ورفع شعار (اليوم يوم المرحمة، اليوم تُحمى الحرمة).
دين الحب الذي أنتمي إليه هو دين الحرية الذي لا يجبر أحدا على تغيير معتقده بالوسائل العنفية، ويقول: (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) ، (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ).
دين الحب الذي أنتمي إليه هو من جعل (حب الوطن من الإيمان)، فكان نبيه يخاطب مكة وقت هجرته منها خطاب المحب الواله: الله يعلم أني أحبك ولولا أنّ أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلداً ولا ابتغيت عليك بدلاً". وأقام علاقة وطيدة مع الطبيعة من حوله فقال فيما يروى عنه: أحد جبل يحبنا ونحبه.
دين الحب الذي أنتمي إليه هو دين يرى أصالة السلم، وما الحرب إلا أمر طارئ في ظروف اضطرارية. يقول الإمام علي : "فو الله ما وقعت الحرب يوماً إلاّ وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي وتعشو إلى ضوئي وذلك أحب إليّ من أن أقاتلها على ضلالها وإن كانت تبوء بآثامها".
ذلكم هو دين الحب الذي أنتمي إليه.
دمتم بحب .. جمعة مباركة .. أحبكم جميعا.