التفاهم على سوء الفهم . هل من سبيل ؟
من المؤكد أن الناس ليسوا على رأيٍ واحدٍ في نظرتهم للأمور المختلفة في الحياة ، وهذا شيئ بديهي أن يختلف الناس في رؤيتهم وتحليلاتهم للأحداث والقضايا الإجتماعية اللحظية منها والإستراتيجية ، ومن الطبيعي أيضاً أن تتعدد الرؤى والأفكار حول القضايا التي تخص المجتمع ، أو في الكيفية التي تُدار بها مؤسساته الإجتماعية المختلفة ، ولا ضير في ذلك حسب إعتقادي لأنه يثري الأداء ويفعِّل قانون العصف الذهني أو ما يُسمى بـ (التفاكر) في مسألة تحليل المشكلات وصنع القرارات ويفسح المجال أمام المعنيين لإتخاذ قرارات أكثر صلابة ، وأشد تماسكاً ، وأقوى تأثيراً .
إلاَّ أن ما يعيق العمل الإجتماعي ويجعله بعيداً عن الوصول لأهدافه التي يرمي إليها هو تلك النتوءات التي تبرز على سطح العلاقات الإجتماعية وتكدر صفوها وبالتالي يسود جوٌ من سوء الفهم سواء بين القائمين على ذات العمل ، أو بينهم وبين بعض أفراد المجتمع المحلي - من خارج دائرة المشروع - الذين لهم رؤية تختلف عن رؤيتهم ، وإسلوب إداري أو تنفيذي يرونه الأفضل من وجهة نظرهم . حيث يتمسك كلٌ برأيه لإعتقاده بصوابه ويتصلب في موقفه لأنه يرى في أي تنازل يقدمه هزيمة له وإضعاف لمكانته وتقليل من شأنه وتثبيط لعزيمته وإهانة لشخصه ( لا سمح الله ) .
الغريب أيها الأحبة أن هؤلاء الذين تتمحور حولهم حالة سوء الفهم أناسٌ طيبون بدليل أنهم يعقدون الإجتماع تلو الآخر ، ويرحبون بمن يتدخل للتقريب بينهم بغية الوصول إلى مخرج للمشكلة محل البحث والدراسة ، ولكن عدم قابليتهم للتفاهم تجعل من حالة سوء الفهم غيمة سوداء تحجب أشعة شمس الوفاق عن السطوع على تلك القلوب الطيبة فلا تلبث أن تنعدم لديهم الرؤية ولا يتمكنوا من حلحلة الأمور بالشكل الذي يتمنونه أصلاً .
إن سوء الفهم يا سادتي لا يعني عدم التفاهم ، بل يجب أن لا يمنع المعنيين من الجلوس إلى طاولة الحوار ومناقشة حالة سوء الفهم في جو من الإنفتاح وتقبل الرأي الآخر وعدم ( شخصنة ) المواقف لئلا يتحول الصراع من صراع في الإرادات إلى صراع بين الشخصيات والذي غالباً ما يكون مستتراً تحت شعار الحفاظ على الكرامة ورد الإعتبار ، ومشحوناً بالعاطفة العمياء ، والأفكار المنفلته ، والأحكام المسبقة .
إن المشاريع الإجتماعية ليست مؤسسات خاصة تخضع لإرادة مالكها ، أو من يملك أعلى حصة في رأس مالها . إنها من المكتسبات الإجتماعية والحقوق المشاعة التي يهم أمرها كل الناس حتى أطفالنا الذين لم يولدوا بعد . ومن هنا يجب على من يبادر ( مُثاباً ) للعمل في هذه المؤسسات أن يضع كل الناس في إعتباره وإن إختلفوا معه ، أو لم يعجبهم إسلوب إدارته فالصبر على أذى المحبين - إن وُجٍدْ – والعمل على تعزيز عوامل التفاهم معهم للتغلب على حالة سوء الفهم يجعل العمل شباب لا يشيخ . وسلامتكم .