الثقافة النقدية
ما أحوجنا إلى نشر الثقافة النقدية كتعريف لها ، وكذلك ثقافيا ، إن اختلاط المفهوم لدينا هو الذي يعكس الرؤيا إلى رؤيا قاتمة ، ابتعادا عن الرؤيا الصافية.
إن المجتمعات الراقية تعطي النقد ، والناقد منزلة كبيرة جدا حيث تجعلهم في خانة عليا ، لأنهم مفاتيح الأفق الجديد للمجتمع ، كذلك فإن للناقد ، والنقد له استرانيجيته الفنية ، فبعض النقاد يجعلك تهرب منه كأنما تهرب من لظى نار تريد أن تحرق جسدك وفي مقابله ناقد.
وناقد يجعلك تحتضنه لروعة كلماته ، وأنفاسه العشقية لك.
هنا أذكر مقولة للمفكر الراحل الذي لا زال يعلمنا لغة النقد رغم فراقه هذه الدنيا وهو السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله تعالى ، فإنه يقول " إذا كان من تختلف معه ، يشعر بنبضات قلبك تناغيه ، وتعانقه ، فسوف يقبلك بكلك رغم الإختلاف بينكما " ، إضافة إلى أن علماء النقد يشبهون الناقد بالرجل الصرافة الذي يحك العملة النقدية ، ويفرقها فرقا ، ليتأكد من جودتها ، هنا تكمن فلسفة الناقد في نقده.
إن الناقد يحتاج في نقده بأن يمتلك أدوات النقد العلمية ، والفنية ، ليبحر من خلالها في النص إن كان نصا مكتوبا ، أو في الظاهرة بأي اتجاه كانت ، يتعمق فيها تعمقا فكريا ، و ثقافيا ، و جماليا ، للأسف الشديد إذا أصبح النقد أداة هنا ، أو هناك ، وحين تبصر هنا ، أو هناك ، لا تجد لا ناقد ، ولا نقد .
كان النابغة الذبياني يجلس في وسط السوق ، ويأتي له الشعراء يعرضون عليه قصائدهم ليقيمها ، ويبدي ملاحظاته عليها ، هكذا كان النقد في الماضي ومع توالي الأيام جاء المسمى الاصطلاحي - النقد - حيث أن هذا المسمى لم يكن موجودا سابقا ، إلا أنه موجودا عمليا ، وفعليا ، وربما يعود الفضل لفلاسفة اليونان عموما ، وخصوصا بعد تأليف الفيلسوف اليوناني أرسطو طاليس علم المنطق ، ومن وجهة نظري القاصرة أرى النقد هو المنطق باختلاف جزئيات المادة المطروحة تحت مجهر النقد كدراسة نقدية ، أم قراءة نقدية بالأحرى .
إن النقد يكون بناء عندما نراه يلبس ثوب الأريحية ، فقد توجه نقدا ما ، فيغضب الآخر ، وقد توجه ذات النقد ، فيفرح الآخر ، ويأخذك بالأحضان ، والمفارقة طبعا في كيفية توجيه النقد ، بمعنى آخر كيفية اتباع الأسلوب في ذلك .