الحسين بن علي جوهرة الوجود الفريدة
إن الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليه أعلى وأجل أن نتمكن – ونحن العاجزون – عن الحديث عنه بل وعن ذكر بعض ما يليق بجلال عظمته ورفيع درجاته وسمو مكانته ...
وقبل أن ندخل في الموضوع أود أن أذكر مقدمة تحوي مجموعة من النقاط ( كمدخل ) إلى ما أردنا الإلماع إليه :
المقــدمة :
إن مكانة وعظمة الإمام الحسين عليه السلام لا يمكن لنا استيعابها ، كما أن الاعتراف بالعجز عن إدراك كنه الباري جل وعلا من صميم الإيمان المبني على المعرفة ، كذلك هم – المعصومون الأربعة عشر – لا يمكن لنا إحاطتهم ، ولا شك أنهم ليسو كالله سبحانه وتعالى في اللامحدودية ، ولكن مما لاشك فيه أنهم أوسع من جميع المخلوقات مما يجعل نسبة المخلوقات إليهم كالقطرة إلى المحيط .. والمثال للتقريب وإلا فالنسبة أكبر وأبعد .. وقد دلت على هذه الموضوعة الروايات المتعددة كبعض مقاطع الزيارة الجامعة وحديث الكساء أو بعض أدعية شهر رجب وغيرها ، كما يدل على ذلك العقل ، ولسنا هنا في صدد إثبات ذلك وإنما أردنا الإشارة لهذه الحيثية والتذكير .
إذاً نخلص إلى أن معرفة الإمام الحسين – حق المعرفة – فوق مستوى إدراكنا ولا تحيطه عقولنا بل تتهافت أمام شموخ صرحه ألباب أرباب أهل العلم والمعرفة .
إن حديثنا عن الإمام الحسين في أية جنبة من جوانبه في حقيقته لو جُرد عن الأمر والامتثال لكان من الفضول وسوء الأدب – والحال هذه – و لكان مصداقاً لتعدي العبد الآبق على سيده ومولاه الكريم .. فتباً لأقلامنا و ألسنتنا لجرأتها على سيدها ومولاها ، فإنه يشترط في الكاتب أو الناطق عن الحسين العلم والمعرفة والكمال ( ولا علم ولا معرفة ولا كمال ) ولا يقال أنه في نص بعض زيارة الإمام الحسين ( أتيتك عارفاً .. ) مما يشي بإمكانية المعرفة ، فإن ذلك تعبد من قبيل قراءة القرآن ، ولا قائل من المسلمين بتمامية معرفتنا بالقرآن وعلومه في الوقت الذي لا ينفك لسان من المسلمين عن ترتيل آياته الطاهرة ، أو تكون المعرفة المذكورة مختصة بكونه مفروض الطاعة ويستفاد ذلك من الروايات .
كما أنه يشترط في القارىء – لا أعني قراءة هذه الأسطر القاصرة بل عموم القراءة عن الحسين – أو السامع وجود الأرضية الخصبة والاستعداد لتقبل الفيوضات المتصلة بالمدد الإلهي من قبيل ( يشرح صدره للإسلام ) .
فيتضح بذلك أن حديثنا عن الحسين هو امتثال لأوامرهم ( رحم الله من أحيا ذكرنا ) أو ( أمرنا ) ، ولعل الحديث عنهم والتفكر في سيرتهم صغرى لكبرى ( المودة في القربى ) وكذا دليل العقل من رجوع الجاهل للعالم والعليل للطبيب .. وأي عالم وأي طبيب الحسين بن علي الذي لا يحيطه تعريف ولا يمكن وصفه ، فهذا من ذا ليس إلا .
وقبل ذلك كله فإن مجرد ذكرنا للحسين فإنه من جميل فيوضاته لأنه خير وذلك من باب ( إن ذكر الخير كنتم أوله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه ) وكذا ( وبكم أخرجنا الله من الذل وفرج عنا غمرات الكروب وأنقذنا من شفا جرف الهلكات ) .
النقطة الثالثة والأخيرة في المقدمة معقودة لتبيين المراد بصورة إجمالية ومقتضبة من هذه الأسطر حيث نستمد الحكمة والمعارف والعلوم المتناثرة والمبثوثة بين ثنايا كلام الأنجم الساطعة وخصوصاً في هذا المقام ، فيما ورد عن مختصات الإمام الحسين التي لا شريك له فيها فوحده وحده الذي يختص بها لا يشاركه فيها حتى اللذين يفضلونه كجده وأبيه وأمه وأخيه عليهم صلوات المصلين وأهل الطاعة المقربين .
ومن نافلة القول أن نبين أموراً وهي :
1- هنالك أمور مشتركة بين المعصومين جميعاً سواءً في الجانب التشريعي أو التكويني ، وكذا الولاية فيهما .
2- وهناك أمور مختصة بأهل الكساء خاصة ( فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها ) وكذا الصاحب القائم (عج)
3- وهناك أمور ينفرد بها أحد المعصومين عليهم السلام عن غيره وذلك أيضاً يشمل الجهتين ( التكوينية والتشريعية ) .
وسيكون الحديث _ بعون الله _ في جانبين :
الجانب الأول : الولاية التكوينية والتشريعية للمعصومين ( الشامـلة للنقطة الأولى والثانية ) بصورة مختصرة كمدخل للجانب الثاني
الجانب الثاني : من مختصات الإمام الحسين التي لا شريك له فيها ، التشريعية والتكوينية . ،، والله المستعان ،
يشترك المعصومون – فيما يبدو – في معظم الصفات وجلها وخصوصاً بالنظر إلى الجانب التشريعي ، وكذا لا يبعد التكويني أيضاً وإن كان التفاوت في الثاني أوضح وأجلى . حيث ورد عن الرسول الأعظم ( أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين كنا في سرادق العرش نسبح الله فسبحت الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق الله عز وجل أدم بألفي عام .. ) وكقوله تعالى في الحديث القدسي ( يا محمد خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين من سنخ نوري ) وبضميمة الرواية القائلة ( أنهم نور واحد ) ، وبناءً على القاعدة ( أن التشريع من لوازم التكوين بالمعنى الأعم ) بمعنى أن الولاية التشريعية من قبيل ( ففوض إليه أمر دينه ) أو ( المفوض إليه دينه ) هي إحدى مفردات الولاية التكوينية .. ولكن بالمعنى الأعم أي كما أن للمعصوم القدرة على أن يبري الأكمه والأبرص ويحي الموتى ويخلق ويدير الكون ( بإذني ) كذلك له القدرة في التحليل والتحريم ( ففوض إليه دينه ) .
ونذكر هنا – بإيجاز – شيئاً عن هاتين الولايتين :
• الولاية التشريعية للمعصوم :
وهذه الولاية مستفادة من مجموعة من النصوص كالرواية الواردة والمتواترة في كتب الحديث كالبحار وغيره ( إن الله أدب نبيه بآدابه ففوض إليه دينه ) ورواية ( المفوض إليه دينه ) ، وكذا يسري الأمر في بقية المعصومين عليهم السلام وذلك أيضاً مستفاد من الروايات كما في معنى إحدى الروايات أن الله جل وعلا فوض للنبي أمر دينه وأن النبي فوض أمر الدين لنا ، وكذا ( أن لأولهم ما لآخرهم ) .
ولا يقال أن ذلك يكون في ( عرض ) الله سبحانه وتعالى ، بمعنى أن سنة النبي وأهل بيته تكون في قبال ما يفرضه الله تعالى .. بل أن ذلك محكوم بـ ( وما ينطق عن الهوى ) و ( أن قلوبهم أوعية مشيئة الله سبحانه ) وعلى هذا تصير وتسري الولاية .
وهي بهذا المعنى لا تنفي التفاضل فيما بينهم بل إنه بالإضافة إلى جميع هذه الصلاحيات التي يتمتعون بها يوجد فيما بينهم تفاضل وخصوصيات كقوله تعالى ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ) وفيما نحن فيه – والكلام عن الحسين – مشمول بما ذكر بل يفضل على جميع المعصومين سوى ( جده وأبيه وأمه وأخيه ) وهذا لا يحتاج إلى عناء الاستدلال لوضوحه .
• الولاية التكوينية للمعصوم :
شاءت إرادة الباري جل قدسه أن يجعل بين دفتي كتابه المنزل الآيات والآيات التي تُرتل ليلاً ونهاراً الدالة على قدرة المعصوم – عموم المعصوم ، الرسل والأنبياء والأئمة – بقيامه على خوارق الكون كإحياء الميت وشفاء المريض وخلق الطير وغيره والقدرة على تسيير الرياح وو.... والكثير من ذلك والتي لا تتسع هذه الأسطر لسردها ..
وذلك كله بفضله تعالى ومنّه ( بإذني ) ، والكلام بالنسبة للمعصوم وقدرته على الإتيان بخوارق الكون مفروغ منه ، وإنما الكلام في قدرة غير المعصوم من قبيل قصة آصف ( وهو ليس بنبي ) وقدرته على إتيان عرش بلقيس !!
والنبي وأهل بيته عليهم السلام بما أنهم أفضل خلق الله تعالى على الإطلاق فلا نبي مرسل ولا ملك مقرب يعلو عليهم بدليل الحديث القدسي المتقدم والذي تتمته ( وعرضت ولايتكم على أهل السماوات والأرضيين فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ) والإطلاق في النص يشمل الأنبياء والمرسلين ، وكذا ( هذا نوري .. أفضله على جميع الأنبياء ) وغيرها من الروايات .
بل أنهم عليهم السلام بيدهم زمام الكون ويفوقون جميع الخلائق في قدرتهم على ذلك بدليل موقع اللام في كلمة ( لأجلهم ) الواردة في حديث الكساء الدالة على أنهم العلة الغائية في الخلق كما في الرواية ( ما خلقت سماءً مبنية .. إلا لأجل هؤلاء الخمسة ) و ( لولاك لما خلقت الأفلاك ) وغيرها . وكما في نهج البلاغة ( إنا صنائع ربنا والناس بعد صنائع لنا ) وغيرها ..وغيرها مما تفيض به كتب الحديث ، وليس في ذلك من الغلو في شيء إذا كان محكوم بقول أمير المؤمنين ( إياكم والغلو فينا ، قولوا إنا عبيد مربوبون وقولوا في فضلنا ما شئتم ) ، أو كما في البحار ( لا تقولوا فينا ربناً وقولوا ما شئتم ولن تبلغوا ) .
ولو أُريد التكلم عن ذلك تفصيلاً لجف القلم قبل بلوغ الغاية .. ولكننا أردنا الإلماع فقط .
إذاً .. يتضح بذلك أن الإمام الحسين له تلك الولاية في الجانب التشريعي والتكويني بل يفوق جميع الخلق – إلا ما استثني سابقاً – في سعة تلك القدرة والولاية ، بل نزيد على ذلك بأنه صلوات الله وسلامه عليه له خصوصيات لا شريك له فيها .. والنقطة التالية معقودة لذلك :
بعض خصوصيات الإمام الحسين التي لا شريك له فيها :
من الثابت أن رسول الله له بعض الخصوصيات التي ينفرد بها عن غيره من المعصومين – الأنبياء ، الرسل ، الأئمة – منها زواجه أكثر من أربع وغيرها من الخصوصيات ، وكذا الإمام علي ألا يخاطب غيره بـ ( أمير المؤمنين ) ، وكذا السيدة فاطمة الزهراء في حرمة زواج الإمام علي على امرأة ما دامت الزهراء في ذمته .. وهكذا تفصل الأمور بالمراجعة لبعض كتب السيرة والحديث .
ونذكر هنا بعض مختصات الإمام الحسين التي لا شريك له فيها منها :
1- تركيب حروف اسمه الشريف ( ال، ح ، س ، ي ، ن ) وأثرها التكويني :
ونعني أنه بمجرد ذكر الإمام بهذه التركيبة ( الحسين ) توجب الأثر في القلوب كأثر أشعة الشمس على الكائنات ، ويمكن استشفاف ذلك من رواية منقولة في البحار والاحتجاج وإرشاد القلوب ، وكذا في تأويل الآيات ، ودلائل الإمامة ، ومثله في كمال الدين ، والمناقب ، ومنتخب الأنوار .. وما يخص المقام من الرواية ( .. أن زكريا سأل الله ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرائيل فعلمه إياها ، فكان زكريا إذا ذكر محمداً وعلياً وفاطمة والحسن سرى عنه همه وانجلى كربه ، وإذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة . فقال الهي ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي فأنبأه الله .... )
مما يستفاد من الرواية أن نبي الله زكريا ( ع ) لم يكن يعلم التفصيل عن هذه الأسماء قبل أن يتأثر بدليل ( فأنبأه الله ) مما يعني أن مجرد ذكر هذه الأسماء الشريفة له أثره في القلوب ، ويختص الإمام الحسين بأثر خاص وهو ( خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة ) وكذا ( تدمع عيني وتثور زفرتي ) ، ومثله ما جاء في إحدى زياراته عن الإمام الصادق ( وبكى له جميع الخلائق ) والإطلاق فيها يبين المراد ، وكذا عندما قال يونس بن ظبيان للإمام الصادق ( إن قلبه ليخفق عندما يتذكر الحسين ) . والمشاهدات في هذا الجانب كثيرة ، فكثير من المؤمنين بمجرد أن يُذكر اسم الحسين تفيض أعينهم بالدموع وتثور منه الزفرات ، والذي يبدو أنه لا يلزم العلم بتفاصيل الحادثة لوقوع هذا الأثر ، والقول بأن الكثيرين يُذكر اسم الحسين عندهم ولا يتأثرون ، يمكن حمله على أحد أمرين : إما أن تكون نسبة التأثير متفاوتة أي أن أرقى درجة ( الاختناق بالعبرة وثوران الزفرة ) فتتلوها تنازلياً درجات مختلفة ، أو لاختلاف ترجمة التأثير من باب ( لا تفقهون تسبيحهم ) .
وهل الأثر يشمل جميع الناس أم أنه مختص بالمؤمنين ؟
خصوص تأثيره بالمؤمنين فواضح ، أما شموله لجميع الناس فيمكن بالقرائن الخارجية القول به والتي منها بكاء قتلة الحسين عليه وهم قتلته ، وكذا كبكاء المسيحيين وأصحاب الديانات الأخرى عليه . وأما الذين لم يبكوا أو يتأثروا فلربما احتاجوا إلى ( التذكير) فقط كأمر ( المعرفة ) .
2- زيارة الحسين والسـلام عليه وآثارهما التشريعية والتكوينية :
لله جل وعلا سنن في الوجود ( تكوينية وتشريعية ) وهذه السنن عرفوها بأنها ( ظهورات من الصفات الإلهية والأحكام السارية والمنضبطة بضوابط خاصة ) ومثالها السنن الكونية والاعتبارية – التشريعية - .
وقال أهل الكلام وعلماء التفسير أن هذه السنن كقيام الكون بالعلة والمعلول والسبب والمسبب ( كل شيء عنده بمقدار ) سنن غير مستثناة بل مستحكمة لا يمكن تغييرها بنحو التأبيد ويدل على ذلك ورود ( لن ) مرتين في سورة واحدة في أية واحدة ( لن تجد لسنة الله تبديلا ) أو ( تحويلا ) . ولكن وردت سنة استثنائية أهم من جميع السنن المادية التكوينية ، بل وحاكمة عليها وهي - زيارة الإمام الحسين – ودليل حاكميتها على السنن الكونية كتحقيق أمور كالرزق والشفاء وغيرهما ، وذلك من دون وجود سبب كوني ما ورد في البحار وغيرها من اختراقات يومية لنظام الكون بسبب الزيارة كما ورد في البحار في المجلد (89 ) ( أنه جاءت لزيارة الحسين مائة ألف امرأة عقيمة .. فولدن كلهن ) وكذا ما ورد عن الإمام الصادق في أثر زيارة عاشوراء حيث قال ( .. كل من زار الحسين عن قرب أو بعد ويدعوا بهذا الدعاء – دعاء علقمة بعد زيارة عاشوراء والذي يرويه صفوان – أقبل زيارته وأستجيب دعاءه وألبي دعوته وأعطيه مراده أي شيء كان ) فظهور العموم وشموله لما نحن فيه واضح . والروايات في هذه الجانب عديدة وللمزيد مراجعة ( كامل الزيارات ) والبحار وغيرهما .
ولو تتبعنا الاختراقات سواءً ما ورد عنهم أو ما حدث إلى بعض أعاظمنا من علماءنا كالبروجردي والأميني والكوه كمري والمجدد الشيرازي والشيخ الأنصاري وغيرهم لكتب في ذلك المجلدات ، ولا تجد في غير زيارة الحسين هذا التأثير .
وأما من الناحية التشريعية للزيارة فالظاهر أنها غير قابلة للتصور والاستيعاب ، فقد خُص الحسين بروايات لم ترد في أحد غيره بل ولا في حكم شرعي آخر كما في الرواية الصحيحة أن من زار الحسين ( كمن زار الله في عرشه ) وكذا عن الإمام الرضا في فضل زيارة النصف من رجب وشعبان قال ( له من الأجر والثواب ما لا نهاية له ولا حد ) وفي بعض الروايات ( لا يحصيه إلا الله ) وفي بعضها ( صلت عليه ملائكة الله إلى حين موته ) وفي الأخيرة جمع مضاف يفيد العموم ، أي جميع الملائكة وفي كل حين .. وغيرها مئات الروايات مما لا نجده في أي عبادة وأي عمل بل هي من مختصاته عليه السلام .
ومما يؤكد على عظمة زيارة الإمام الحسين خضوع كثير من أهم الواجبات الشرعية أمام تشريع الزيارة ، وهذا مما يثير العجب ، ونعني بذلك أن فقهاءنا يصرحون أنه في حال تعارض الحكم الاستحبابي مع الحكم الوجوبي يقدم الحكم الوجوبي وذلك لـ ( الإقتضائية واللإقتضائية ) وكذا تقدم بعض الواجبات على غيرها من الأحكام الوجوبية في نظام التشريع ومثاله إذا تعارض حفظ النفس – وهو من أهم الواجبات – مع واجب آخر أو مع محرم فإنهما – الواجب والحرام – يسقطان أمام حكم ( حفظ النفس ) وهذا الأمر مسلم به .
ولكن مما يثير العجب إذا تعارضت زيارة الحسين مع حفظ النفس تخضع الثانية للأولى ، لما ورد عن الأئمة أنهم كانوا في عهد العباسيين يحثون الشيعة على زيارة الحسين وقد كان في زيارته إزهاق لأرواحهم وكانوا يعلمون ذلك !! في الوقت الذي لا يوجد تكليف يستقيم أمام حفظ النفس .
وكذا فمجرد السلام عليه بهذه الألفاظ ( السلام عليك يا أبا عبد الله ) له آثاره وتموجاته ويُحدث معادلات تغييرية لا يمكن لنا استيعابها بسبب الحجب ، ويكفي فيما ذكرنا عن الزيارة إشارة لذلك ، حيث السلام جزء الزيارة وله ما لها – فيما يبدو - .
3- بعض السلامات المختصة به دون غيره وكذا آثارها :
يختص سيد الشهداء بزيارات خاصة في أيام السنة زائداً على ما ورد في التأكيد على زيارته المطلقة في كل وقت وفي كل حين دون سائر المعصومين
وفوق ذلك الاختصاص نرى – فيما ورد – سلامات خاصة لا تنطبق إلا عليه ولا مصداق لها غيره ومن هذه العبائر – وهي كثيرة – قول الإمام الصادق ليونس بن ظبيان يعلمه كيفية زيارة جده الحسين ومما جاء في هذه الزيارة فيما يخص المقام ( السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله ، السلام عليك يا ثار الله وابن ثأره ، السلام عليك يا وتر الله في السماوات والأرض ) ويقول بعض الأجلة عن هذه العبائر أنها تشير إلى مقام مختص بالإمام الحسين لا شريك له فيه و لا يوجد في عالم الخليقة من أقصاه إلى أدناه إنسان خلع عليه – من عالم الغيب – هذه الألفاظ والعناوين .
وتمتلىء زياراته الطاهرة من شبيه هذه العبائر كزيارة وارث وزيارة عاشوراء والنصف من رجب وشعبان وغيرها ، وفي ظني أن هذا الأمر أوضح من أن يُستدل عليه ويلمسه كل زائر ، وخصوصاً من داوم على زيارة المعصومين يلمس الفارق في الألفاظ ويستشعر التباين في العبائر بين زيارة سائر المعصومين وزيارة الحسين .
وبما أن للحسين هذه الخصوصية في تركيب ( السلام ) عليه ، كذلك الأثر المترتب عليه فإنه أيضاً من مختصاته ، ولايمكن تصور وجود سلامات خاصة به من دون أثر مختص ، لأن ذلك من تفكيك الشىء عن ذاتياته ! بل نقول أن من لوازم هذا السلام الخاص الأثر المختص ، والله العالم .
4- تربة الحسين وآثارها التشريعية والتكوينية :
يحتار الكمّل وذوو الألباب عند مطالعة ما ورد في ( باب تربته صلوات الله عليه وفضلها ) في البحار المجلد ( 98) وغيره ككامل الزيارات والتهذيب ومصباح الزائر وغيرها من المصادر .
فمن الأثر التشريعي الخاص بتربة الحسين : أنها أفضل تربة للسجود والذي يمثل قمة هرم التعبد والتذلل من العبد لمولاه ، فعن الصادق ( السجود على تربة الحسين تخرق الحجب السبع ) ولم يرد في غير تربة الحسين ذلك ، ومثله في جعل التربة ( مسبحة ) حيث سُئل الإمام هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر وهل فيه فضل ؟ فأجاب الإمام ( تسبح به فما من شيء من التسبيح أفضل منه ، ومن فضله أن المسبح ينسى التسبيح ويدير السبحة تكتب له ذلك التسبيح ) . ولعل ذلك بعض الفضل مما يشي بوجود فضائل غيرها وذلك لورود ( ومن فضله .. ) . وكذا وضع التربة في قبر الميت وما لها من الفضل حيث ورد ( يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إنشاء الله ) .
ويظهر أن تلك خصوصية لتراب كربلاء التي شرفها الحسين ولعله لا يوجد في غيرها تلك الخصوصية ، والله العالم .
ومن الآثار التكوينية لتربته : فذلك مما يحتاج إلى التسليم ( وسلموا تسليما) وإلا لو أعملنا عقولنا القاصرة بمنأى عن النصوص لما استقام لهذا الأمر ركن وذلك أن التراب أكله حرام ناهيك عما يسببه من أمراض وغيرها ، والشيء الذي هذا شأنه على نقيضه تربة الحسين حيث الاستحباب ، بل ولها أثرها العظيم كأثر الدواء على البدن وإن كانت معظم الأدوية لا تخلو من آثار جانبية سلبية ، في الوقت الذي لا أثر سلبياً لأكل تربة الحسين – بشرطها وشروطها – بل إن أكله كما في الرواية ( لما أُخذ له ) ، وفي الرواية عن الإمام موسى بن جعفر قال ( لا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به ، فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين فإن الله عز وجل جعلها شفاءً لشيعتنا وأوليائنا ) وعن الرضا ( طين قبر الحسين فإن فيه شفاء من كل داء وأمناً من كل خوف ) ولفظ – كل – من ألفاظ العموم .
وهنا – في هذا المقام – ثلاث ملاحظات يلزم ذكرها :
- الأولى : أن لتناول تربة الحسين شروطاً لتؤتي أكلها كبعض الأذكار الخاصة والقدر المعين وغيرهما ..
- الثانية هناك استثناء في بعض الروايات لهذا العام – شفاء من كل داء – والاستثناء الوارد هو ( إلا السام ) ، ولكن بمعنى الموت كما قال العلامة المجلسي في بحاره ..
- الثالثة : وردت رواية عن علي بن مهزيار ، تعطي هذه الخصوصية لقبر النبي والوصي والإمام الحسن ، فلعله يشترك معهم في هذه الخصوصية ، إلا أن الوارد عن تراب قبر الحسين ما لا يحصى .
5- تضمين الأرض والسماء دمه وثأره :
جاء في البحار للعلامة المجلسي في المجلد ( 101) نقلاً عن كامل الزيارات لابن قولويه ، والذي هو – كامل الزيارات – عند محدثي الشيعة وعلمائها من أجل الكتب وثاقة واعتبارا ، والرواية عن الإمام الصادق وهي معتبرة سنداً ، في إحدى زيارات جده الحسين قال وهو يخاطبه ( وضمّن الأرض ومن عليها دمك وثأرك ) .
يقول أحد الآجلة المحققين عن هذه العبارة .. وهذا مما استثنى الله جل وعلا به الحسين وخصه به ، ولتبيين مراد الإمام الصادق من هذه العبارة والمستفاد من كلام العلماء كالمجلسي وغيره .. نذكر أمرين مهمين وهما :
الأول :
( الضمان ) :
إن مراد الإمام الصادق من هذه الكلمة ( ضمّن ) في هذه الجملة هو المعنى العربي والشرعي لها ، والضمان باب أو فصل مستقل بذاته في الكتب الفقهية المطولة وغيرها . والمشهور عند علماء الشيعة – باختصار – عن هذه الكلمة هو ( ضم ذمة إلى ذمة ) بخلاف السنة والذي هو عندهم ( تبديل ذمة إلى ذمة ) وللتفريق نذكر مثالاً : زيد ( دائن ) أعطى عمراً ( مدين ) – 100دينار – كدين على عمر ، وبكر ضمن عمراً بالتسديد . فعندنا نحن الإمامية باستطاعة زيد أن يطالب عمراً أو بكراً بدنانيره على نحو التخيير .
أما عند السنة فإن زيداً لا يستطيع مطالبة إلا بكر ( الضامن ) ولا يطلب من عمر شيئا .
وفيما نحن فيه حول جملة ( وضمّن الأرض ... ) فإن الحسين قتل في بقعة صغيرة من الكرة الأرضية وهي أرض كربلاء ، ولكن الله جل وعلا ضمّن الأرض كلها بل ومن عليها لعظم الجناية ، ولا يقال أن هذا الضمان خلاف العدل فعليه لابد من تأويل اللفظ ! بمعنى أن الأرض وكثير ممن عليها غبر راضين عن قتل الحسين فكيف يضمنون دمه ! فيدفع هذا أن الضمان ليس كله اختيارياً بل في بعضه إجباري وهذا مسلم به في الفقه ومثاله إذا كسر النائم – وهو غير شاعر بما يصنع – كوز أحدٍ فإنه يضمن ذلك – إجبارياً – ولا قائل بأن هذا خلاف العدل ، وما نحن فيه من هذا .
الثاني :
عندنا في أصول الفقه في مباحث الألفاظ قاعدة تقول ( المعنى الحقيقي إذا كان فيه محذر يُنتقل إلى أقرب المجازات ) وضمان الأرض ومن عليها ومن عليها دم الحسين بمعنى مسئولية الأرض ومن عليها دمه بمعنى العقاب على هذه الجناية ، وهذا هو المعنى الحقيقي ، ولكن بقرينة أن هذا ( مناف للعدل ) فإننا ننتقل إلى أقرب المجازات وهي كثيرة ، ذكر بعضها العلامة المجلسي في المجلد المذكور في ص ( 170) .. ولكن أقربها يحتاج إلى تأمل وإعمال النظر .
ومنها – المجازات – بما أن قتل الحسين هو في حقيقته قتل للكرامة الإنسانية وقتل للمعنويات وقتل للدين وو.... فإن مسئولية الجميع هي إحياء شعائر الحسين والتي تمثل شعائر الله جل وعلا من خلال كل الوسائل المتاحة الإعلامية وغيرها ولعل ذلك يتضح من كلمة ( ثأرك ) .
والذي يظهر أن المسئولية المراده هي لنوعين :
الأول :
مسئولية الجمادات .. وهذا ظاهر في أنه أمر تكويني ، وهذا يعني أن ضمان الأرض ومن عليها من الجمادات مسئوليتها عن دم الحسين وثأره هي مسئولية من الجانب التكويني – والله العالم _
الثاني :
أما مسئولية ذوي العقول فإنها مسئولية تشريعية أي من الجانب التشريعي .
وهل يوجد في غير الحسين ذلك ؟؟
وفي ختام بحث مختصات الحسين :
كنا نود ذكر بعض الخصوصيات الأخرى له كاستحباب الدعاء تحت قبته ، وأن الأئمة من ذريته ، وما يحويه دم قلبه الطاهر واسم الله الأعظم .
ولكن نكتفي بما ذكرنا سائلين المولى جل وعلا أن يتقبل منا هذا القليل من القليل ، ،