أتقنوا فن كسب القلوب
الحديث حول فن كسب القلوب حديث له مذاق مختلف، فهو محبب للنفوس، يخاطب إحدى حاجاتها الهامة. فكل شخص يود أن يكون محبوبا من قبل الآخرين حوله، لأن ذلك من أسباب سعادته.
ولذا فقد ورد في الدعاء: وحببني إلى خلقك.
يظن البعض أنه يمكنه أن يكسب قلوب الآخرين من خلال تعلم بعض المهارات السلوكية وممارستها ممارسة آلية دون روح، تماما كالابتسامات المصطنعة التي يوزعها على الزبائن بعضُ العاملين في قطاع الخدمات، باعتبارها أمرا بروتوكوليا مطلوبا. هذا الظن في غير محله، فالقلوب يصلها ما يخرج من القلب حقيقة، أما الشيء المتكلف فإنه يبقى على السطح ولا ينفذ إلى العمق، وبالتالي فإن تأثيره يكون مؤقتا ومحدودا.
تؤكد الأحاديث والروايات الشريفة على أن الإحسان للآخرين هو المفتاح الأكيد والسبيل المضمون لكسب قلوبهم ومحبتهم. فعن رسول الله أنه قال: جُبلت القلوب على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها. وعندما جاءه رجل يطلب منه تعليمه عملا يضمن من خلاله تحقيق ستة أهداف دفعة واحدة، من بينها أن يحبه الناس، مخاطبا رسول الله بقوله: "علمني عملا يحبني الله عليه، ويحبني المخلوقون، ويثري الله مالي، ويصح بدني، ويطيل عمري، ويحشرني معك"؛ أجابه النبي بقوله: هذه ست خصال تحتاج إلى ست خصال إذا أردت أن يحبك الله فخفه واتقه، وإذا أردت أن يحبك المخلوقون فأحسن إليهم وارفض ما في أيديهم، وإذا أردت أن يثري الله مالك فزكِّه، وإذا أردت أن يصح الله بدنك فأكثر من الصدقة، وإذا أردت أن يطيل الله عمرك فصل ذوي أرحامك وإذا أردت أن يحشرك الله معي فأطل السجود بين يدي الله الواحد القهار.
والأقوال الواردة عن الإمام علي في هذا الشأن كثيرة منها، نختار منها أربعة:
الإحسان محبة/ سبب المحبة الإحسان/ من كثر إحسانه أحبه إخوانه/ من أحسن إلى الناس استدام منهم المحبة.
والإحسان كلمة جامعة تتضمن الكلمة الطيبة والفعل الطيب بكافة أشكاله، فلا تنحصر في مصداق واحد. فالإنسان في أي موقع كان يمكنه أن يمارس الإحسان ويكون من المحسنين.
ولا أدل على ذلك من نبي الله يوسف الذي قال عنه صاحباه في السجن: ﴿نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾. وقال له إخوته مثل ذلك وهو في منصبه الرسمي الرفيع:﴿ يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
الإحسان يكون بالمال وبالجاه وبالعفو والصفح والابتسامة الصادقة واحترام الآخرين والإنصات لهم وإعطائهم مكانتهم، وغير ذلك.
إذ لكل مقام مقاله من الإحسان. يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
والإحسان عطاء مستمر لا يقف عند حدود الأصدقاء فقط، بل يتعداهم إلى غيرهم حتى المسيئين. فقد ورد عن النبي أنه قال: ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة، العفو عمن ظلمك، ووصل من قطعك والإحسان إلى من أساء إليك، وإعطاء من حرمك.
بالإحسان لا تُكسب القلوب فحسب، بل تُستعبَد، حسب تعبير أحد الشعراء:
أحسن إلى الناس تَستعبد قلوبهمُ... فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ.
فلنمارس الإحسان دائما كي نكسب القلوب، ولنتذكر أن الله يحب المحسنين، وأن رحمة الله قريب من المحسنين.
دمتم بحب .. جمعة مباركة .. أحبكم جميعا.