في القطيف.. تُسلق الضفادع!!
تستسيغ شعوب شرق آسيا وأوروبا أكل #الضفادع ، وقد اعتادت أن تطهيها بنفس الطريقة المعروفة لديهم والتي ابتكروها لتفادي قفزة الضفدع إذ كانت تفضل طهيها وهي حية حيث لا تلجأ لذبحها إذ ستفقد بعض الفوائد الغذائية عند ذلك.
وحيث تعتبر الضفادع من الحيوانات المتكيفة وقد تكيف نفسها في بيئة لا تناسبها دون وعي منها بأنها تضر نفسها حد الموت، فالضفدع عندما يطهى بوضعه في ماء مغلي يقفز خارج الإناء كي ينقذ نفسه، لذا كانت الطريقة المتبعة في طهيه هي بوضعه في قدر ماء بارد ورفع درجة الحرارة تدريجياً فيتكيف الضفدع معها حتى يدخل في سبات عميق ومنها إلى الموت، وعندها يتم طهوه أو سلقه، ويعد ذلك طبقاً مفضلاً عند تلك الشعوب لقيمته الغذائية.
وسرعان ما أصبحت تلك الطريقة فلسفة الحكماء الذين تمعنوا فيها، وأدركوا معانيها المجازية فصارت تسرد كحكاية يبينون بها أن الناس يجب عليهم أن يكونوا حذرين من التغيرات التدريجية السلبية التي تحصل حولهم حتى لا يعانوا من خسائر مفجعة بعد فوات الأوان.
في القرن التاسع عشر مع بدايات علم النفس الفيسيولوجي بالخمسينيات منه اعتبرت هذه الطريقة كإحدى النظريات المهمة التي اهتم بدراستها علماء النفس حتى عام 2003 على الضفدع، وقد تم ربطها في التحذير من ظواهر عديدة في الواقع المعاش في الحروب وانهيار الحضارات منذ ذلك القرن حتى اليوم، إذ توصلوا بأن الإنسان يتأثر بنفس المؤثر، وبذلك نتج المصطلح النفسي «الاستجابة التوجهية» أو المنعكس التوجهي والذي يفسر استجابة الكائن الحي الفورية تجاه تغيير ما في البيئة المحيطة به عندما لا يكون هذا التغيير مفاجئًا بما يكفي لاستثارة مُنعكَس الإجفال.
و لأن النظرية فسرت استجابة الإنسان من خلالها، فقد تستوقفني هنا بأن الإنسان عاقل مكرم بالعقل عن الضفدع.. إلا أنه على الرغم من ذلك يذعن لتلك النظرية!!
وتختلف المعادلة هنا عن الضفدع إذ أن الإنسان هنا لم يوضع لاختباره ولكن وضع لاستنزافه، نعم!! مع علمه الكامل بالضغوط والحالة المواتية لهموم المجتمع والحياة القاسية والتغيرات الحاصلة في محيطه والتي تدفعه لتحملها بالصبر وتقبل الحياة على كل ما يسلب فيها من قوته وهويته وأمانه.
لحظة؟! يخيل لي أنني كنت أتحدث عن الضفدع القطيفي..
عفواً الإنسان القطيفي!!
في الفقرة السابقة، والذي تقبل أن يعايش انقلاب حال القطيف في العقود الأخيرة، فقد كانت متقدمة وذات مكانة على مستوى الخليج العربي اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، كما أنها أقدم حاضرة «الطابع المدني» على امتداد الساحل الشرقي وذلك حتى قبل أن تؤسس الدولة السعودية، وكان يقصدها المؤرخون والسياح لما كان لها من موقع استيراتيجي على بحر الخليج إذ كان يوجد بها أهم ميناء مع امتيازها بثرواتها ذات الجودة والوفرة، والآثار والتراث العريق الذي يرجع لأقدم الحضارات التي سكنت المنطقة وطبيعتها التي كانت توصف بأنها منتجع سياحي ممتاز، كما أنها كانت رائدة في مجال التعليم والصحة على مستوى المملكة ففيها أوائل المعاهد الأكاديمية، تلك القطيف التي لم يأتي على ذكرها في كتب الجغرافيا والتاريخ المتعارف عليها في وزارة التعليم، والتي حُرم أجيالها الجدد من معرفة أصالة هويتهم وتاريخ أجدادهم. وهذا كما أسلفنا «كانت القطيف» والتي تدرج بها سوء الحال كتدرج ارتفاع درجة حرارة غليان الماء لسلق الضفدع... وهذا الإنسان إلى الآن ما زال يتكيف بامتياز مع هذا التدرج البائس.
في الحقيقة أن نظرية «سلق الضفدع» المزمعة لم يتوصل فيها العلماء لمقياس استجابة عام لدى الضفادع فدرجة الحرارة التي يسلق فيها الضفدع تختلف من ضفدع لآخر، حتى أن بعض الضفادع تقفز حينما تعي درجة الحرارة المؤذية لها في هذا التدرج، وهذا ينطبق على فئة في المجتمعات الواعية تحت الضغوط، فنجد بعض الضفادع القطيفية لا تقبل بالقرارات التي لاتصب في مصالح القطيف وهويتها، فمن يقوم بتلك القفزة من الإناء قبل السبات يعي تماماً المتغيرات الحاصلة والتي يرفض التكيف معها فلا يقبل بضعف التنمية فيها.
يا سيدي الضفدع المتأقلم..
- أنت مضطر لتقبل حالك بعد أن كنت في القمة قبل عقود لتصبح معايشاً الآن للطبقة الثالثة..
- وأنت مضطر أن تتغرب في وطنك أو خارجه لكي تتعلم..
- وأنت مضطر لقبول ارتفاع الأسعار «الخيالية» للأراضي في القطيف كي تضمن لعيالك مسكن..
- أنت مجبر أن تقبل تحويل الأحياء الأثرية «ماتبقى من تراث القطيف» لأحياء مطورة لتنفك أزمة السكن فيها..
- أنت مضطر لأن تردم بيئة القطيف البحرية والزراعية «معالم هوية القطيف» لتبني عليها مسكن..
وصار إناء الماء المغلي أرضك، ولعلي هنا أذكرك ببعض المواقف التي مررت بها دون أن تشعر بأن الماء المغلي بدأ سلقك:
- أنا مقتنع بالعلاج على سرير في ممرات المستشفى..
- أنا أقبل الدراسة في مدارس أنشئت في منازل مستأجرة..
- أنا أرضى بأن أكون عاملاً ضمن الطبقة الكادحة عوضاً عن حلمي بالشهادة العليا..
- لذا أنا أيضاً أقبل الدراسة في القطيف بشهادة دبلوم ذات الدخل المحدود..
- أنا أقبل أن أعيش على آبار النفط ولا أملك مسكن..
- أنا أقبل أن تمارس أرامكو امتيازاتها على أراضينا المملوكة والبيضاء وأنا الأقدم منها..
- أنا أوافق أن أسكن في أي بقعة في القطيف حتى لو كانت بحراً أو زرعاً..
وبذلك سأعيد تنبيهك أخي الضفدع..
هل تقبل أن توجه استجابتك لناحية السلق أم ستعي بأنك تستطيع امتلاك ردة فعل معاكسة؟!!
- أجبني!!