أحزمة البؤس الإجتماعي
تشير أحزمة البؤس في المفهوم التنموي إلى تلك المناطق الفقيرة التي تحيط بالأحياء الراقية من كل إتجاه ، والتي تعاني من التهميش والحرمان في مسألة خطط التطوير والتحديث الحضاري والتنموي ، حيث النقص الكبير في توفر الخدمات الضرورية للحياة ، وإنعدام البنية التحتية فيها وتخلفها بشكل يدعو للشفقة عن ما بات يُعرف في التنمية بـ ( المدينة الدولة state city ) والتي تعكس غياب التنمية المتوازنة من خلال التفوق الواضح تنموياً لبعض المناطق على مثيلاتها في ذات الدولة مما ينتج عنه الشعور بعدم العدالة والمساواة .
وهذا ما حرصت القيادة الحكيمة في وطننا العزيز على تلافيه من خلال القرار الإستراتيجي الحكيم بإعتماد ( الميزانية المتوازنة ) التي تهدف إلى تحقيق المساواة بين كافة أجزاء الوطن في مسألة التنمية الشاملة والمستدامة ، وتعزيزها بحزمة من الأنظمة المدنية منها : نظام المناطق ، والمجالس المحلية ، والمجالس البلدية وكذلك ما تم في هذا الإطار مؤخراً من رفع المستوى الإداري لبلدية الطائف ، والأحساء إلى ( أمانة ) ترتبط مباشرة بصاحب السمو الملكي وزير الشئون البلدية والقروية ( وأول الغيث قطرٌ ثم ينهمرُ ) بالرغم من البيروقراطية ( في آليات التنفيذ ) التي ربما تعيق التسريع في بلوغ الأهداف التي يرمي إليها ذلك القرار الذي أدركَ متطلبات الحاضر وتَحسَّبَ لتوقعات المستقبل .
هناك أحزمة بؤس من نوع آخر لا تقل أهمية في تأثيرها السلبي على ( العمران البشري ) كما يطلق عليه علماء الإجتماع وفي مقدمتهم – ابن خلدون – وهي ( أحزمة البؤس الإجتماعي ) والتي تتمثل في تلك الأفكار البائسة التي تحيط ( بالمبدعين ) من جميع الجهات – الأصلية والفرعية ، الرأسية منها والأفقية – تحاول جاهدة أن تُحبِط كل فكرة إبداعية وقتلها في مهدها من خلال تغليب عدم الإمكان على فرص الإمكان والتمكين ، ووضع الصعاب والعراقيل في الطريق المؤدي لتحقيق ما ترمي تلك الأفكار لبلوغه ، وضخ الروح الإنهزامية في نفوسهم ، والعمل على تخفيض درجة حرارة حماسهم لما (دون الصفر ) وتفتير عزيمتهم ، بل والسخرية إن إقتضى الأمر من أفكارهم الإبداعية وإتهامهم بالجنون وعدم الحكمة والإنضباط ، وإضاعة الجهد والوقت والمال فيما لا طائل من ورائه بل والإجتهاد في إيجاد ( المسوغ الديني والأخلاقي ) الذي يبرر إعتراضهم وعدم تأييدهم لتلك الأفكار المتقدمة على نمط تفكيرهم الجامد ثم لا يلبثوا بعد حين عندما يتكشَّف لهم فساد فكرتهم ، وسقوط إعتراضهم تحت أقدام نجاح تلك الأفكار والمشاريع والترحيب بها - على التوالي - من أفراد المجتمع . أن ينضموا إلى قافلة المؤيدين لها ولو على إستحياء إثر الهزيمة الأدبية التي لحقت بهم والتي يصرون على المكابرة عن الإعتراف بها ، ويعملوا على إيجاد المخارج اللائقة التي تنقذهم من نظرات المبدعين العاملين بكل عزيمة وإصرار على تطوير مجتمعهم والتحليق به في آفاق التميز والإبداع .
من المؤسف – أحياناً – أن تتمكن هذه ( الأحزمة البائسة ) من حجب أشعة شمس المبدعين من أن تشرق على أرض المجتمع وتساهم في تنويره وتطويره ، وتعزيز إرادته لبلوغ نهضته التي يرنو إليها . ولكن ما يطمئن النفس أن الإصرار والعزيمة من قادة البناء والتطوير ينسف تلك الأحزمة ليتلاشى تأثيرها إلاَّ على من لا يزال يرى فيها قوة لا يمكن هزيمتها ، وصلابة يصعب معها تفكيكها ، فتصغي أُذنيه لما تمليه عليه من إحباطات ، ويصدق ما تسوقه إليه من خرافات فيبدو تحت ضغطها ضعيفاً ، مترهلاً ، لا يكاد يقوى على المواجهة والسير قُدُماً إلى حيث ينبغي أن يصل على المستويين الفكري والعملي .
مما لا شك فيه إن أحزمة البؤس الإجتماعي مثل الباطل أنصارها كُثر ، ولكن من البؤس أن نمكِّنهم بأي شكل كان من نسف المشاريع الإبداعية ، والمبادرات التطويرية ، فلا أجمل من أن نملك الإرادة والصمود ، وأن لا نستسلم إلى الثبات والجمود ، أو أن لا نتعذر بضيق الحدود ، وعدم إمكانية إجتياز السدود .
أحزمة البؤس الإجتماعي تعمل بشكل أقوى وأفعل ، إن نحن لانت عزيمتنا ، أو هانت علينا أهدافنا ، أو تأثرت بإفرازاتها السلبية رؤيتنا ، أو لاقت إستحساناً من وعينا ، أو كانت عنصراً ذو بال في تخطيطنا ، وهذا ما لا أعتقد أنه يخالج أي مبدع على الإطلاق . فما نشهده من فعاليات إجتماعية تمتد طيلة العام في حركة متصلة الموجات يدل على أن عزيمة الشباب لا تُهزم ، وأن البؤس بات يدب في أحزمة البؤس ويجعلها في حالة تحلل مستمر لا تقوى معها على إعادة اللحمة إلى أنسجتها التي تناثرت أشلاءً تحت وطأة عزيمة الرجال المخلصين لمجتمعهم ، وهذا ما يجعل تلك الأحزمة البائسة تفر بجلدها المهترئ من ساحة معركة التحدي والصمود في ميدان الخير والعطاء ، والتنمية والبناء . إبتسم ( يا أيها الماجد) فأنت الفارس والحارس ، ولك تحياتي .