ذرًية آدم
يتنافس ويتسابق جميع شعوب هذا العالم من حولنا على التقدم والنمو والإزدهار. بينما تشهد بلدان العالم الخارجي تقدمآ وتطورا ملحوظا في شتى المجالات. وهذا التقدم لم يمنعها من أن تكون أكثر حضارةً ورقيا في التعامل الإنساني والأخلاقي مع شعوبها المتباينة في أعراقها وانتماءاتها ومعتقداتها الدينية. فهؤلاء الشعوب يملكون قيما ومثل إنسانية عليا. تجسدت في واقع حياتهم المعيشية. ورغم أنهم غير مسلمين إلا أننا لم نجد منهم غالبا إلا تعاملا إنسانيآ حسنا. يماثل القيم الإسلامية التي دعا لها الإسلام الحنيف، من التعامل برقي وخلق نبيل. ويرجع السبب في ذلك أنهم قد تمكنوا من تجاوز اختلافاتهم الفكرية والعرقية وكل اشكال العنصرية التي كانت تعصف بهم في العصور القديمة.
ومن هذا المنطلق فإن المشكلة لا تكمن في المعتقدات والديانات بحد ذاتها. ولكنها تكمن في ثقافة الإنسان ووعيه ونظرته لبني آدم على أسس ومبادئ سامية. تحمل في طياتها الرحمة والرأفة والإحسان للبشرية كافة. وهذا ما حثت علية تعاليم كل الأديان السماوية السابقة وكان مكملها وخاتمتها الإسلام العظيم. فالإسلام دين الألفة والمحبة، ودين يحث على استقطاب الأخرين واحتوائهم والتقارب معهم. لا معاداة الأخرين ومحاربتهم والتنكيل بمعتقداتهم. وكما جاء في قوله تبارك وتعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ «125» [سورة النحل] صدق الله العظيم.
فلا إكراه لأحد على الدخول في الإسلام بمنطق القوة والعنف. لأن ذلك يخالف ما جاء به الإسلام، والهداية من عند الله وليست من عند البشر. وما هذه الآيات إلا مصداقا لذلك،
قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ «99» [سورة يونس» صدق الله العظيم.
واليوم عندما ننظر لحال المسلمين الذين يعتنقون أعظم وأسمى دستورآ للحياة وهو الإسلام. فلا نجد سوى الخلافات السائدة على ساحاتهم، والتي كرسوا لها جل طاقتهم وتنافسهم في ترسيخ المعتقدات العنصرية والطائفية والقبلية. التي تؤجج نار الكراهية والشحناء بين بعضهم البعض في كل حين. وحتما هذه جاهلية أولى يعيش في كنفها أصحاب الفكر الإقصائي، المبني على الكراهية والعداوة لكل من يغايرهم الرأي. وهذه الفئة لا تقتات إلا على التحريض وغرس الشحناء والبغضاء بين الناس، حتى تسود النزعات والصراعات الإنتقامية. وهذا الفكر أبعد ما يكون عن تعاليم وسماحة الدين الإسلامي. فهل تأمل هؤلاء في قوله عز وجل:
﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ «256» [سورةالبقرة] صدق الله العظيم.
إن ما يدعوا للدهشة والاستغراب أحيانا، ان المتشددين الإقصائيين يتعايشون وبكل ألفة وأريحية مع غير المسلمين، وبالتحديد في بلاد الغرب. فلا تجد منهم تلك الكراهية والغلظة مع من يخالفهم الدين!! وفي مقابل ذلك يتعاملون بكراهية وعداوة مع من يلتقي معهم في القبلة ويخالفهم الفكر. وكأنه عدو لدود ويستحق القتل ما سنحه الفرصة لذلك. كيف يعامل اصحاب الاديان الأخرى بإحترام ولا يعامل أصحاب المذاهب المختلفة على نفس الميزان؟؟!!
إن العنصرية والقبلية والطائفية هي سبب في تمزيق وتفريق الأمة العربية والأسلامية. وهذا ما جعلها كأمة تلحق بالركب المتأخر بين الأمم. في حين أننا نملك القرآن الكريم الذي يجعلنا على رأس كل الحضارات، لأنه دستور متكامل لا قصور فيه. وقد جعل الله سبحانه وتعالى، الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا لا ليتقاتلوا ويتناحروا. والمعيار في ذلك هو التقوى، كما صرحت به الآية الشريفة في قول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ «13» [سورةالحجرات]. ولكن أين هم العقلاء الذين يدركون معاني آيات القرآن الحكيم الذي يحمل أسس التعامل العادل بين الشعوب كافةً والمسلمين خاصةً.
لقد مضت عقودا من الزّمن والعالم العربي والإسلامي يعيش أمراضا مزمنة من التصنيفات والتقسيمات القبلية والأقليمية. والتي نستشعرها في كل سؤال، ما أصلك، وفصلك، وقبيلتك، وبلدك، وإنتمائك، وإلى آخره من الأسئلة. التي وعلى أثرها تكون المعاملة حسب التصنيفات السابقة. أما آن لنا أن نجرب ولو لمرة واحدة، لغة الحب والتسامح والتقارب والإندماج على أننا بشر، نظراء في الخليقة والتكوين الإنساني. متجردين من كل حالة استعلاء طائفي وعنصري.
نحتاج مجددا أن نعزز أواصر الثقة بحسن الظن في بعضنا البعض. ونزيل كل الرواسب والأفكار المستعصية داخل العقول. بأن نتجاوز عن كل الخلافات القائمة وننبذ كل جاهلية تدعوا لزرع الفتن بين الناس. حتى نكون أخوة ونرتقي بديننا العظيم. ونعكس بذلك صورة الاسلام السلام. قال تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً» «70» [سورةالإسراء] صدق الله العظيم.