مهاتير الذي أحب وطنه «3»
الشركات والمؤسسات والمنظمات الناجحة هي تلك التي تتقن التخطيط الاستراتيجي تصميما وتنفيذا ومتابعة ومراجعة. فلا يكفي وجود خطة استراتيجية محكمة رغم ضرورتها وأهميتها، إذ كما تقول بعض الإحصائيات أن 90% من المؤسسات تفشل في تنفيذ خططها الاستراتيجية، بسبب عدم الربط بين الميزانيات والخطط، أو بينها وبين الأداء والحوافز، أو عدم استخدام أدوات كافية للمتابعة، أو غير ذلك من الأسباب. ما يصدق على المنشآت يصدق على الدول أيضا، لأنها في التحليل النهائي منظومة مؤسسات تهدف لإدارة المجتمع وتنميته.
ارتبط اسم مهاتير محمد ارتباطا وثيقا بالمشروع الاستراتيجي الضخم الذي لا تزال تنفذه ماليزيا، والذي أُطلق عليه: رؤية 2020. وهو بلا شك واحد من أبرز تجليات الحب المهاتيري لوطنه. وقد أفرد في كتابه «طبيب في رئاسة الوزراء» فصلا مستقلا «الفصل 45» للحديث عن تلك الرؤية التي انطلقت في العام 1991 وتمتد 30 عاما، تهدف إلى إخراج ماليزيا من مجموعة الدول النامية، لتصبح دولة متقدمة تماما، وفق النمط التاريخي الخاص بها، مع عدم المساس بالفضائل والقيم الأخلاقية المتميزة. وتم تحديد 19 دولة كنماذج للدولة المتقدمة.
قام مهاتير، كما يذكر في كتابه، بتحديد تسعة تحديات استراتيجية يتوجب مواجهتها لتحقيق الهدف المنشود. يمكن تلخيص التحديات في التالي:
1 - بناء دولة ماليزية واحدة وموحدة، تضم كافة الأعراق المختلفة، يجمعها الولاء للأمة والتفاني في سبيلها.
2 - بناء أمة آمنة نفسيا، تعتز بنفسها وإنجازاتها، تتمتع بالسيادة والاستقلال كدولة وكمجتمع وأفراد، وتسعى للتفوق باستمرار.
3 - أن تكون ماليزيا دولة ديمقراطية ناضجة تركز على المجتمع بحق، بناء على روح التوافق وممارسته.
4 - تأسيس مجتمع أخلاقي شريف يحترم القيم الدينية والروحية.
5 - تأسيس مجتمع متسامح يقبل بحق الماليزيين على اختلاف عقائدهم ومشاربهم في ممارسة شعائرهم وعاداتهم وثقافاتهم، يتقبل الفوارق، وينتمي بمجموعه لهوية جامعة كبرى.
6 - تكوين مجتمع متقدم في مجال العلم والتكنولوجيا، يعتمد على نفسه في الابتكار والتطوير، وينأى عن دور التلقي والاستهلاك المجردَين.
7 - بناء مجتمع يجمع ويوازن بين النزعة الفردية والنزعة الجماعية، واحتضان ثقافة رعوية مبنية على نظام أسري قوي ومرن.
8 - بناء مجتمع عادل يؤمن بالمساواة ومبني على الشراكة الكاملة في التقدم الاقتصادي.
9 - بناء اقتصاد قوي ومتنوع يتمتع بقدرة تنافسية ودينامية كاملة، وقدرة على تجاوز الأوقات الصعبة وحتى الازدهار فيها.
أُتبعت هذه الرؤية والتحديات بمبادرات عملية تحولها إلى واقع، كان من بينها على سبيل المثال مبادرة «الممر الضخم للوسائط المتعددة»، كما واجهت بعض الصعوبات التي كان من أهمها كما يقول مهاتير في كتابه ص708 «حمل الناس على استيعاب مفهوم »الأمة الماليزية« «بانغسا ماليزيا» ». والمقصود من هذا المفهوم ترسيخ مبدأ المواطنة لتكوين هوية مشتركة في دولة متعددة الأعراق، تختلف مكوناتها على الصعيد الإثني والثقافي واللغوي والديني، ومنقسمة في إنجازاتها الاقتصادية والاجتماعية.
صحيح أن ماليزيا لم تحقق رؤيتها بعد في التحول لدولة متقدمة، ولكنها تسير على الطريق، وحققت الكثير من الإنجازات على المستوى الصناعي والاقتصادي والاجتماعي. لا يمكن بالطبع نسبة الفضل في ذلك لمهاتير وحده، ولكنه على أي حال كان القائد الذي أحب وطنه، فبذل في سبيل تنميته الكثير. وهو بالتالي يعد نموذجا فذا من نماذج الحب في طريق بناء الأوطان.
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.